ناطق نيوز-كتب معاذ البطوش
يوما بعد يوم يزداد حجم الغضب الشعبي ضد مجلس النواب، وتزداد الفجوة بينهما دون أن يدرك أحدا خطورة هذه الفجوة وهذا الانهيار الذي وصلت له السلطة التشريعية.
الكل منا يلعن مجلس النواب كسلطة تشريعية ويحاول أن يضعف دوره ، ويشكك به دون أن نفهم أسباب هذا التشكيك الذي بات اليوم يعتبر جزء من حياتنا اليومية وعنوان حديث مجالسنا المختلفة.
في الافراح والاتراح وفي الصالونات السياسية وفي "القهاوي" الكل منشغل في الحديث عن مجلس النواب كمؤسسة ضعيفة وهزيلة يجب اسقاطها والتخلص منها.
الحديث عن ضرورة التخلص من السلطة التشريعية أصبح ثقافة مجتمعية يتم تعزيزها في نفوس الأردنيين ولا نعلم لمصلحة من هذا الخطاب المبني على الكراهية والتطرف والتشدد وفي بعض الاحيان يصل الى مستوى التحريض.
مشكلتنا مع مجلس النواب ليست مرتبطة بأشخاص كما يروج البعض فلو كانت كذلك لما شاهدنا مستوى الأحترام والتقدير الذي يحظى به النائب عندما يلتقي بمواطن وجها لوجه، فكلنا نعلم أن الناس عندما تلتقي بنائب في اي مناسبة تصفه بأجمل وأروع الأوصاف الجميلة.
أسباب تفاقم أزمة العلاقة ما بين المجالس النيابية المتعاقبة والشعب كثيرة تتعاظم كل يوم حتى بتنا نحكم على كل مجلس قبل انتخابه بأنه ضعيف، ويجب اسقاطه ورحيله.
من الاسباب التي أوصلت سلطتنا التشريعية لهذا الانحطاط "الغيبة والنميمة" التي تمارس داخل صالونات الفاسدين والمستغلين للمواطن التي لا مصلحة لها ببرلمان ذو قوة.
تلك الصالونات تدرك تماما ان قرب النواب من الشعب يعني تأثر مصالحها وطموحاتها وتطلعاتها، وهي ذات الصالونات التي نجحت مبكرا في التسبب بانهيار الثقة وانعدامها ما بين المواطن والحكومات المتعاقبة.
ما يتم طرحه في ليالي(الانس) بتلك الصولونات "تتلقفه" بعض النخب السياسية مدفوعة الاجر وتسارع الى الترويج له عبر بعض وسائل الاعلام المنتفعة منها وعبر مواقع التواصل الاجتماعي فتسهم في شحن الناس ضد مؤسساتهم الوطنية لتحقق أهدافها وغايتها غير الوطنية.
منذ عقود ونحن نتابع كل تكتبه وتتحدث به النخب في البلدان الغربية وحتى في اسرائيل فنجد ان خطابها يصب في مصلحة أوطانهم، أما نحن فمع كل أسف خطابنا يصب في مصلحة العدو الخارجي والداخلي.
نروج الاشاعات ونعظمها ونؤكد عليها حتى بتنا نشاهد كل جميل ونصفه بالقبيح.
كل نائب مر بالحياة البرلمانية يجب أن يحاكم بغض النظر متهم أم غير متهم... فاسد أم صالح... معارض أم موالي، حزبي أم مستقل..اسلامي أم قومي فالكل في دائرة الاتهام والكل يجب عليه ان يعلن أنه مجرم حتى وإن لم يكن مجرما.
علينا قبل أن نتحدث عن ضعف مجلس النواب أن نحاسب كل من لا يميز بين عمل النائب كشخص ومجلس النواب كأمؤسسة وطنية دورها تشريعي رقابي
علينا اليوم أن نقف مع البرلمان ونشخص حالته ونعترف بان ضعفه هو ضعف للدولة التي تمر اليوم بأصعب الظروف، علينا أن نوقف الحرب الاعلامية والاشاعات وان نغفر "الهفوات" التي ربما يرتكبها بعض النوا، وان لا نخرجها عن حقيقتها اذا كنا جادين في حب الوطن ونسعى للمحافظة عليه.
كنت وما زلت من أكثر الناس نقدا وأقول نقدا وليس هجوما لتصرفات نواب في المجلس الحالي والمجالس السابقة، ولكنني أدرك تماما بأن وجوده أفصل الف مرة من غيابه.
كلنا يتذكر أحد رؤساء الحكومات السابقة عندما انفرد بالسلطة في ظل غياب مجلس النواب ماذا فعل وماذا أقر من القوانين المؤقتة التي تجاوز عددها (٢٣٤)قانونا، فكانت النتائج سلبية على الدولة وها نحن ندفع ثمنها لانه استطاع أن يمررها علينا دون وجود اي معاناة.
اتابع كثير من النخب السياسية والاعلامية اليوم وهي تهتف ضد السلطة التشريعية وتلعنها وتشكك بها وتتباكى على المواطن والوطن، ولكن أذكر انها عند موعد كل انتخابات نيابية تجلس في الصفوف الاولى وتقف على "منصات" المرشحين لحشد الاصوات، وهو ما يعني أن تلك الوجوه النخبوية مواقفها مدفوعة الثمن.
اليوم مطلوب منا أن ننقذ مؤسسة البرلمان لا أن نبقى نجلدها.... اليوم مطلوب منا إن كنا صاديقين أن نعود ل"ننسج" خيوط الثقة بين المؤسسة البرلمانية والمواطن وأن نضع أيدينا على نقاط الضعف في الناخب والمرشح للوصول الى مجلس نيابي حقيقي.
اليوم علينا أن نمنع الاشاعات ونعطل تناقلها بين الناس حتى لا نقتل الامل فيهم فندمر وطننا ومستقبل الاجيال القادمة.
علينا أن نغلق صفحاتنا المستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي التي من خلالها نبث بذور الفساد بحجة أننا نشطاء ندافع عن الوطن والمواطن ونحن في حقيقة الأمر عكس ذلك.
علينا أن نحطم أقلامنا المسمومة التي شوهت كل جميل وزينت كل قبيح حتى أصبحنا في حالة من انفصام الشخصية.
علينا أن نتوقف عن كسب المال الحرام مقابل تشويه صورة السلطة التشريعية لصالح أناس ينظرون إلى الشعب كطبقة عبيد.
غير ذلك فنحن جميعا إلى الهلاك القريب وليس البعيد وعندها سنكون جميعا شركاء في إنهيار مؤسساتنا الوطنية وتدميرها وتدمير مستقبل الأجيال القادمة.