ناطق نيوز- بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه / مستشار أعمال
الاردنيون الأوائل الذين ترعرعوا وعاشوا منذ بداية نشأت الدولة الأردنية ، طُهرهم ونقاؤهم ، بطهر ونقاء الارض ، وعطاؤهم مستمد من عطاء الارض ، التي تعطي بلا كللٍ ولا مِنة ، جودهم وكرمهم بلا حدود ، تسامحهم فيه تعالٍ خالٍ من الكبرياء ، مغلف بالطيبة والقدرة على العطاء ، هم الذين بنوا وأسسوا ، وحفروا الصخر بأظافرهم ، وكدوا وتعبوا وأسسوا من الصفر ، لم تنحني قاماتهم الا ركوعاً وسجوداً للعلي القدير ، إباؤهم وشممهم ورجولتهم وشجاعتهم وقدراتهم على تحمّل شظف العيش أسطوري ، تعاضدهم ، وتلاحمهم ، وتضامنهم ، وتكافلهم يوحي لمن تشرف بالعيش بزمانهم ، وكأنهم رجلٌ واحدٌ فعلاً لا قولاً ، هم الذين أسسوا جينات الأردنيين النشامى ، مع ان الانحراف هذه الأيام كبير عن ذلك النهج ونُبل قيمهم ، ما نعتز به الان هو مجرد بقايا ( لجفة ) بئر ، ولمن لا يألف هذا التعبير ، يقصد به بواقي الماء في البئر .
والدي ، عليه رحمة الله ، ولد عام ١٩١٢م ، وقُبضت روحه قبل ست سنوات وبالضبط في ٢٠١٣/١/٧ ، أي انه عاش ( ١٠١) سنة ، كان هادئاً ، صامتاً ، عفيف اللسان ، قليل الكلام ، نظيف اليد ، لم يقرب الحرام ألبته ، شِدَّتُه كانت تظهر بشكل جليّ وحاد عند الأمور التي تتعلق بالحلال والحرام ، تعلمت منه وبكل الفخر ، البعد الشديد عن الشبهات ، وكان يقول ان الشبهات هي التي تورد المهالك ، تعليمه كان بسيطاً ، حيث درس عند الكتاتيب ، وبضع سنوات في مدرسة الكرك الثانوية العريقة ، لكنه كان يدرسنا اللغة العربية والقران الكريم في المراحل الابتدائية ، وكان يختم القران عدة مرات في السنة ، كان يدون كل تعاملاته ، كان فلاحاً ماهراً شديد الدقة في متابعة الارض والمحاصيل والأغنام ، كانت وسيلة كيل الحبوب تتم ب ( نص المد ) ومن شدّة حرصه على ان يوفي الكيل ، سأل عدة رجال دين عن دقة الوزن الحقيقي لهذا الكيل ، وفصله لدى الصنايعية ، الى ان ضبط الوزن بدقة متناهية ، لدرجة ان أهل القرية كانوا يسمونه ( نص مد الحاج ضيف الله ) ، لقد أوفى كيله والحمد لله ، وعرف ربه حق المعرفة بإجتناب نواهيه ، وأحسن لكل متعامليه ، ولَم تختلط أملاكه بحبة قمحٍ فيها شبهة حرام ، علمنا القناعة والرضى ، زرع فينا حب الخير لكل الناس ، غرس فينا التسامي على الجراح وإساءآت الآخرين ، في جلسة تخاصم فيها إثنان ، ووالدي من الحاضرين ، إشتكى أحدهم من ان فلاناً قد سبّ والده ، وكان يرعد ويزبد ، فما كان من والدي الا ان أطفأ نار الغضب بقوله : يا فلان ، أنا أشكر ربي كلما علمت ان أحداً قد سب واحداً من أولادي ، أتعرف لماذا ، لان الذي لا يُسبّ هو من لا خِلفة له ، الحمد لله على نعمة الخِلفة التي بسببها يسبنا الآخرون .
عليك رحمة الله يا والدي ، ورحمة الله على كل امواتنا من الأردنيين الأوائل طيبي الذكر عفيفي اللسان ، البعيدين عن كل مسلك حرام ، ولعنة الله على كل من حاد عن طريقهم القويم وتلوث بمكسبٍ دميم رخيص ، لان قيمة الانسان تكمن بقيمه لا بمكسبه السحت .
الى جنان الخلد يا والدي ضيف الله .. وأهنأ بضيافة الله يا ضيف الله .