بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
الحياة تفاعل ، على المستوى الفردي والدولي ، فمنذ بدء الخليقة يقتبس الناس ، وتقتبس المجتمعات والدول تجاربها من بعضها البعض ، وتتعاون الدول لتبادل الخبرات ، والاستفادة من الإنجازات ، بهدف الإنجاز والتطوير والابتعاد عن نظرية التجربة والخطأ التي لم تعد تصلح لهذا الزمان ، يضاف الى ذلك وقف هدر الوقت والكلفة في التجريب . وعند الاقتباس ، او نقل الخبرات ، فان الدول التي لديها إدارة فاعلة ، تقوم ببعض التعديلات على ما اكتسبت ، ليناسب خصوصية تلك الدولة ، واذا كانت إدارة تلك الدولة فاعلة حقاً ، تُظيف ، وتُحْسِنْ ، وتُحَسِّنْ وتطور ، وفي حدها الأدنى ، تنقل الخبرة المكتسبة كما هي (copy/paste )، دون إحداث اَي تغيير .
ما يحدث في الاْردن ، شيء مختلف تماماً ، لا بل مُعيب ، ومخجل ، لدرجة لا تُصدّق ، نحن في الاْردن ، وصل بنا مستوى الانحدار في إدارة الدولة الى ( ( تشويه المُقتبس ) ) ، نعم تشويه المقتبس ، بطريقة ممعنة في التخلف .
قبل بضعة أعوام ، أطلت علينا الدولة الاردنية ، بانها بصدد إنشاء مجالس محلية منتخبة للمحافظات ، وقالوا ان لذلك عدة أهداف وغايات وطنية منها : ان ينصرف مجلس النواب للرقابة والتشريع ، وان لا يضيع وقت النواب في متابعات شؤون محافظاتهم ، وبهذا تتقلص الواسطة والمحسوبية ، ويتم القضاء على الجهوية ، والفئوية ، والمناطقية ، ثم ان فيه تطبيقاً للقول المأثور ( أهل مكة أدرى بشعابها ) ويقصد بهذا ان ابناء المحافظات هم الأقدر على تحديد أولويات المشاريع والخدمات التي تتطلبها محافظاتهم ، بحيث تحدد مخصصات كل محافظة في موازنة الدولة ، ويتم انفاقها على مشاريع وخدمات المحافظة وفق رؤية المجلس المحلي ...الخ
وطرحت الحكومة التي كانت في وقتها الموضوع للحوار الوطني ، وأتذكر جيداً انني دخلت في حوار معمق مع أحد كبار المسؤولين عن موضوع المجالس المحلية ، في ديوان ابناء الكرك في عمان ، وقلت له : لدي اطلاع بسيط على تجارب بعض الدول في المجالس المحلية ، لكنني لا أؤيد ان تقام في الاْردن ، لاننا تعودنا ان نقتبس تجارب جميلة ونشوهها ، لا بل نمسخها بتفنن واحتراف ، وأضفت : ان الاْردن بلد صغير جداً في عدد سكانه ومساحته ، وضَعف قدراته ، فلا حاجة لتشعب المسؤوليات ، وقلت كذلك : انه سيكون هناك تضارب وتداخل بين صلاحيات الوزارات ، وكذلك الجهات الرسمية داخل كل محافظة .. الخ ، بعد الحوار ، وفي حديث جانبي بيني وبين المسؤول الكبير ، أكد لي قناعته التامة برأيي .
تمت الانتخابات ، وبدات التجربة الممسوخة ، واعلنت نتائج الفائزين ، وفرحوا ، وهللوا ، وأُطلقت الأعيرة النارية ابتهاجاً ، وحدثت حوادث قتل من رصاص الفرح الطائش ، وعندما ذهب الناجحون لمباشرة عملهم ، لم يجدوا ، لا مقرات ، ولا مبانٍ ، ولا مكاتب ، ولا أدارت ، ولا سكرتارية ، ولا اي نوع من الخدمات التي تُعينهم على مباشرة عملهم ، فبلغ الإحباط مبلغه ، وتقزمت الأفكار ، وتلاشى الحماس ، وانتهى حب العطاء والإنجاز .
واليوم أطل علينا الوزير المختص ويقول : ان هناك مقترح بإلغاء المجالس المحلية او تقليص عدد أعضائها .
خلاصة عظيمة ، لتجربة رائدة تم تشويهها ، ومَسْخِها ، هكذا أصبحت حكوماتنا التي نكبت الوطن ، وأنهكت المواطن .