ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
الغُربة عن الوطن قَاتِلة ، مُميته ، قَاسية ، فيها ، بُعْدٌ ، وجَفاء ، وغِياب عن الأحباب ، والوطن ، والأهل ، والأصدقاء ، والأحبة ، بِبُعْدِها ، تَقتُلْ ، ذكريات الزمان والمكان ، الغُربة لها أثمان وليس ثَمن واحد ، لكن الأشْنع ، والأبْشع ، والأقسى ، ان تَشعر بالغربة وانت في وطنك ، وبين أهلك ، لذلك تهون غُربة الاوطان ، عندما تشعر بالغربة وانت بين أحضان وطنك .
مُحدثكم ، عانى من الغربة لربع قرنٍ من الزمان ، بين الدراسة في العراق عندما كان عظيماً ، والعمل في الإمارات الحبيبة ، جَرَّبت ، وذُقت ، وتَذوقت ، وتَجرعت ، كل انواع ما تفرضه الغربة على الانسان من : البعد عن الوالدين ، والأهل ، والأقارب ، والأصدقاء ، والحنين للانسان ، والزمان ، والمكان ، فقد هَرِمَ والدي ، ووالِدَتَيّ ، عليهم رحمة الله ، وانا في الغربة ، وفَقدتُ أناساً كثيرين من الأقارب والأصدقاء ، ولَم أتمكن من حضور حتى العزاء ، وهكذا مشاعر وآلام ، لا تُمحُها الأيام .
كانت غربتي في الإمارات الحبيبة ، إمارات زايد الخير ، العربي ، النقي ، الذي لم تلوثه الحضارة ، ولَم تغيره وفرة المال والثراء ، لجأت للإمارات ، بعد ان رفضت الاجهزة المختصة ، في وطني ، الموافقة على تعييني في الوزارات التي يمكن ان تُظهر القدرات التي لديّ ، على إعتبار انها وزارات حساسة ، وإنني أُشكل خطراً على الدولة الاردنية ، أما العملاء للغرب الذين نزلوا علينا بالباراشوت ، وسرقوا كل مقدرات الوطن ، أخلصوا للوطن !!؟؟هذه مجرد واحدة من مهازل الوطن . والغريب ان إمارات زايد الخير ، وافقوا على تعييني في أهم ، وأخطر وزارة ، وزارة الداخلية في ابوظبي ، وبالدرجة العليا فوراً ، لكم ان تتخيلوا أثر ذلك ، وتأثيره النفسي على الإنسان ، وعِشتُ في الإمارات معززاً ، مُكرماً ، لم يحدث ما يعكر صفو حياتي ولو لمرة واحدة .
ما جعلني أُفكر في كتابة هذا المقال ، عنوان في صحيفة الرأي يقول : بلغت حوالات المغتربين الاردنيين ( ١،٥ ) مليار ونصف دولار في الخمسة أشهر الأولى ، وهذا يعني ان حوالات المغتربين الاردنيين في العام تكاد تصل الى ( ٤ ) مليارات ، وتساوي (١٤٪ ) من الناتج الإجمالي الوطني ، هذا عدا عن ما ينفقونه في إجازاتهم داخل الوطن . يضاف الى ذلك ان وجود المغتربين وعائلاتهم في الخارج له فوائد عديدة تعود على الوطن منها : خفض نسبة البطالة ، خفض الفاتورة النفطية ، الوفر في استهلاك المياة ، والكهرباء ، والصحة ، التخفيف من الضغط على كل المرافق الحياتية ، المساهمة في تنشيط حركة الاراضي والعقارات ، ونشاط المقاولات .. الخ .
بالله عليكم ، هل الحكومات الاردنية تُحسن إدارة الوطن ، وهل يمكن اعتبارها حكومات رشيدة ، وهي لا تلتفت ، لا بل تنسى ، وتُهمِّش ابنائها المغتربين ، الذين يَدِرُّون ذهباً للخزينة ، ويُعيلون عائلاتهم وعائلات ذويهم داخل الوطن ، دون ان يُكلِّفوا الوطن شيئاً !!؟؟ ولَم تفكر ولا حكومة من حكوماتنا غير الرشيدة بتعيين وزير وإستحداث وزارة للمغتربين، تختص بما يقارب ( ٢،٥ ) مليونين ونصف أردني يعيشون خارج وطنهم ، وهم بَقَرَتهُ الحلوب ، التي تُدِرُ ذهباً خالصاً دون ان يكلفوا الوطن شيئاً ، لا بل يخففون أعباءاً كثيرة على الدولة الاردنية الكسيرة ، المنهكة ، المتهالكة . في حين تُنشأ اكثر من سبعين هيئة صورية ، إختطفت صلاحيات الوزارات ، وتُكلف الخزينة اكثر من ( ٣ ) ثلاثة مليارات دينار سنوياً ، يعني ما ( يحوشه ) المغتربون بعَرقِهم ، ومعاناتهم ، وغُربتهم يُصرف على هيئات صورية ، تنفيعية ، عبء على الوطن والمواطن .
حكومات هزيلة النهج ، ضعيفة الإنجاز ، غريبة الإنتماء ، آخر همها الوطن والمواطن سواء كان مقيماً او مغترباً ، وإلا لو كانوا غير ذلك لتم إستحداث وزارة للمغتربين عند اول تعديل .