ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
الأوطان ، كل الأوطان ، هي لكل إنسان يقطنها ، ويحمل جنسيتها ، بغض النظر عن طريقة اكتسابها ، سواء بالولادة ، أو التجنس . وعليه يجب ان يتساوى المواطنون في الحقوق والوجبات ، مع وجود العدالة ، كصمام أمان لرقي الأوطان واستقرارها ، لان غياب العدالة ، يرسخ الظلم ، والتمييز بين ابناء الوطن الواحد . وما عدا ذلك تحدث اختلالات في درجة الانتماء للوطن ، فهل يعقل ان ينتمي مظلوم ، أو مقهور ، أو منبوذ ، أو محروم !؟ ألم يكن غياب العدالة والتهميش سبباً في تقسيم السودان !؟
عدم المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، خلل يستغله الطامعون في الوطن ، خاصة الاستهداف الخارجي الذي يَعتبِر هذا الخلل صيدًا ثمينًا ، للتغلغل ، والتسلل ، منه بحجة إنصاف الفئات المظلومة ، والخطر الأكبر يكمن في سهولة استمالة ، واستدراج ، وتوظيف ، وحتى تجنيد هذه الفئة ، والهدف الحقيقي ليس في السعي لإنصاف الفئة المظلومة ، بل في استهداف الوطن ، وخلخلة أركانه ، وزعزعة استقراره ، والنيل من وحدته ، وتمزيق جبهته الداخلية ، تمهيدا لتقسيم المجتمع ، لترسيخ التقسيم ، وبث الفُرقة ، وتمترس كل فئة لتحصيل المكاسب الفئوية ، أو الجهوية ، أو العرقية ، أو الاثنية ، أو العقائدية ، وكل هذه المكاسب تتم على حساب الوطن ، لانه الخاسر الأكبر .
وهذا ما حصل في لبنان الشقيق ، بعد الاقتتال والحرب الداخلية التي بدأت عام ١٩٧٥م ، فقد تقسّمت المناصب ، على أسس طائفية ، غير وطنية ، حسبما ذكرنا أعلاه ، وتم التوافق على المحاصصة ، التي استجدت ، وإبتُدِعت ، ونخرت في كينونة الوطن ، ونالت من وحدته . فتراجع لبنان ، الذي كان يسمى سويسرا العرب ، ومصدر الإشعاع الثقافي ، والفني ، والمالي ، وفقد حرية الرأي ، واختفت ديموقراطيته المعهودة ، وتراجع على كل المستويات ، وتراجع اداء الدولة اللبنانية ،
وخسر لبنان ، وانحدر الى هاوية خطيرة ، وما زال الانحدار مستمراً .
وها هم أعداء العرب ، يعيدون نفس تجربة المحاصصة البغيضة في العراق ، بعد ان غرسوها ، وجذروها ، لانهم يودون ان يحققوا نفس الحصاد الذي حصلوا عليه في لبنان ، ليقطفوا ثماره في العراق ، وكان النجاح باهراً ، ونتائجه عظيمة ، لان بيئة العراق اكثر خصوبة من لبنان ، فالطامعون كُثر ، والطامحون بالحصاد الوفير يصعب حصرهم . ولهذا نجح الأعداء في تجربة المحاصصة في العراق نجاحاً باهراً ، فتفشت الطائفية ، والمناطقية ، والجهوية ، والفئوية ، والعرقية ، والدينية ، والعشائرية ، وتعددت الانتماءات والولاءات الخارجية ، فربح الأعداء ، وخسر العراق . فأصبح العراق بدون ماء نظيف ، ولا هواء نقي ، وبدون كهرباء ، وبدون بنية تحتية ، وتفشى الفساد ، واشتد الفقر وانتشر في مساحات واسعة ، سعة الوطن ، ولا مستشفيات ، ولا دواء ، ولا أمن ، ولا أمان ، وأصبح القتل على الهوية ، وانتشرت الميليشيات الإجرامية ، حتى وصلت الى اكثر من (٧٠ ) فصيلاً ، تعيث بالعراق نهباُ ، وسلبا ، وفسادا وقتلاً ، وتدميراً ، وسُرقت خيرات العراق ، وأصبح غالبية الناس في عوز وفقر شديدين ، وغير ذلك من معاناة العراقيين . هذا مع ان العراق تملك ثالث اكبر احتياط نفطي في العالم .. وخسِر العراق .
المحاصصة الطائفية التي فُرضت على لبنان والعراق ، دمرت البلدين شَرّ تدمير ، دمرت الوحدة الوطنية ، وفتت تماسك المجتمعات ، وحل العِداء ، محل الوئام والتعايش ، وضاعت خيرات البلدين ، وتعطل البناء ، والنمو ، وحلّت كارثة وطنية بدل الوحدة الوطنية . لبنان أُحرق ، قبل ان يحترق ، والعراق أُغرق ، و ها هو يغرق .
المحاصصة الطائفية تركيز للفُرقة الوطنية ، وتفتيت للوحدة الوطنية ، والخاسر الأكبر فيها الأوطان .