ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
كتبت مقالاً بعنوان ( القايد الصالح .. صالح ) ، ونشرته كالعادة على صفحتي على الفيسبوك ، وأرسلته الى الأصدقاء على الوتساب . وكان من عادة صديق عمري ، وأخي بالإختيار الإعلامي رفيع المستوى ، قومي النهج ، الأستاذ / فؤاد الشرع ، ان يُعلّق ، لا بل يُثري مقالاتي بحصافته ، وفكره ، وخبرته التي قاربت النصف قرن كإعلامي صاحب رؤية ونهج ، لا يهادن ، ولا يتهاون ، ولا يجامل ، ولم يُشترى . الا انه هذه المرة ، لم يرسل لي تعليقاً على مقالي المشار اليه ، بل أنبني بأدب جَمّْ ، بعد ان امتدح قلمي ، مُتطرقاً الى خبر مفاده ، ان الأردن يُعتبر الدولة الثالثة التي تحظى بالمساعدات الأمريكية ، ومتسائلاً ، وكأنه يعاتبني ، ويعتب عليّ ، ان يمر هكذا خبر دون ان اكتب عنه . وها أنا أستجيب ، طبعاً عن طيب خاطر ، لكن بإرادة منقوصة ، لانني لا يمكن ان أتجرأ ، على غير الاستجابة ، او لانه لا سبيل لي الا الكتابة .
تُقدم الدول قوية الاقتصاد ، مساعدات للدول المحتاجة ، الفقيرة ، او التي إقتصادها منهوب ، ومسلوب ( لانه لا توجد دولة فقيرة في العالم أجمع إذا ما أُحسن إستخدام مواردها ، وسَلِمت من النهب والسلب ) ، ولنا في سنغافورة المثل الدامغ ، وذلك في إطار تبادل المصالح بين الدول ، حيث لابد من ان تقدم الدولة التي تتلقى المساعدات شيئاً يفيد ، ويساعد الدولة المانحة في تنفيذ سياساتها ، لتفرض أجنداتها ، وتحمي مصالحها ، وتوسع دائرة سيطرتها .. الخ ، وذلك ضمن قدراتها الاستخبارية ، او القمعية ، او التآمرية على دول الجوار ، او على البلد نفسه ، بحيث لا يفرح بالازدهار ، ليبقى في حالة عوز ، ليسهل انقياده ، وتبعيته ، وربما تصل الى درجة الخيانة للوطن نفسه ، لضمان استمرار دورانه في فلك الدول المانحة .
نحن في الأردن ، متميزون ، في الاستجابة للإنقياد ، ويا ليت ان حالة الانقياد هذه لدولة واحدة او دولتين ، او حتى بضع دول ، نحن تمزقنا الى ان أصبحنا أشلاء ، ضعيفة متناثرة . وللتدليل على ذلك ، بداية ، وهو موضوع المقال : إعتبار الأردن ثالث اكبر دولة لتلقي المساعدات الأمريكية . يا ترى ، هل هذا سببه الكرم الحاتمي الأمريكي !؟ هل تقديم المساعدات بهذا السخاء سببه عدم وجود رقابه على كيفية صرف الموازنة الأمريكية ، ( مع انها تطبع الدولار بدون تغطية !؟ ) ، هل مال امريكا سايب !؟ هل الرئيس الأمريكي فيه جينات العرب من أصحاب نهج : إعطه يا غلام !؟ ثم هل أمريكا دولة ( كافيه خيرها شرها !؟ ) وليس لها اطماع !؟ هل امريكا تتحرك في المجتمع الدولي بحذر يكتنفه الضعف يعني ( ماشيه الحيط الحيط ويارب تستر ) !؟ هل الرئيس الأمريكي وادارته مفتونون بسواد عيوننا !؟ هذه امريكا فقط ، فما بالكم ببريطانيا الإمبراطورية التي تحترف الاستعمار وتغير وجهه وألوانه كما الحِرباء ، حتى اصبح عِشق الاستعمار في جينات البريطانيين ، والقائمة تطول كثيراً ، ويصعب حصرها ، واجد ان من الأنسب والأسهل ، ان أقول باننا ننقاد لكل دول العالم تقريباً .
هذا ما وصلنا اليه ، مع كل الإسف ، لا بل مع كل مشاعر الخزي والعار . فإستكان الوطن ، وإستمرأ الذُل ، والخنوع ، والخضوع ، والإنقياد ، والإنغماس في التبعية ، وأصبح الوطن مستعمَراً من كل دول العالم ، فغابت السيادة الوطنية ، واختفى الاستقلال الذي نتغنى به ، ولا سيادة في اتخاذ قرار ، ولا إرادة سياسية مستقلة لقراراتنا .
المشكلة الأكبر انه رغم هذا الرُخص الذي تم بيع استقلالنا وارادتنا به ، لا نلحظ شيئاً يُعوِّض الأردنيين ، على الأقل لنقنع أنفسنا بان لنا ثمن ، ولو كان بخساً ، وأننا سواء ارتضيناه او فُرض علينا ، فلا مناص ، فبدل ان تذهب الكرامة مجاناً ، يُبقي التعويض الضرر أقل ، ( ولو انه تم بيعنا بسعر الفِجل ) . والدليل ان المساعدات انهمرت علينا هذا العام ، لدواعٍ ، وأسباب ما زالت خفية ، ولم تُعلن ، لكن المواطن يدرك كُنهها ، وأسبابها ، ودوافعها ، وأنها ثمن بخس لتنازل كبير ، وخطرَ قادم ، ومع ذلك زادت المديونية ( ٢,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠ ) ملياري دولار او دينار ، لا نعلم ، ولم تعد لدينا القدرة على التمييز ، لا بل لم نعد نعبأ . ومن طلاسم موازنتنا : تلقي (٤) مليارات دولار مساعدات ، (٥٣٤ ) منح اعتيادية وقروض ، هذا ما أُعلن رسمياً ولم أفهمه . يضاف اليه (٢) مليار المذكورة أعلاه . كل هذا الحجم من القروض والمساعدات ، كم يُشكل من الموازنة المقدرة لعام ٢٠١٩ ، بمبلغ ( ٩ ) مليارات تقريباً !؟ اذاً أين ايرادات الدولة !؟
ما نحن فيه يجسده المثل الشعبي الذي يقول ( موت وخراب ديار ، واستعباد ، وقلة هيبه ) . أتضرع الى رب العِزة القوي الجبار ، ان ( يَغْفُطْ ) من أوصلونا الى هذا الدرك الأسفل بين الشعوب ، بعد ان كُنّا ( قليلين ، لكنا جليلين ) .
والمشكلة اننا لا نعلم شيئاً عن هذه المساعدات ، ولا نعلم آلية صرفها ، ولم تنعكس على موازنة الدولة ، والعجز مستمر ، والإقتراض في ازدياد ، والمواطن لم يلمس شيئاً ، فالغلاء مستمر ، والمواطن في عوزٍ ، وكدر ، ووطننا سُلبت ارادته ، وإختُطف قراره ، واختفى استقلاله ، وبيعت كل مقدراته ، واختفت أثمانها البخسة ، فأصبحت خسارتنا خسائر ، وبلوانا بلاوي .
يا وطني ، يا حبيبي ، أعرف أنك مكسور الخاطر ، لا حيلة لك ، واعرف انك لم تَعْتَدْ على هذا الذُل ، والهوان ، وأعتقد انك ربما وصلت الى نقطة اللاعوده من الإنهيار ، فبسبب ما أوصلك اليه الفساد ، الذي انتشر وساد ، وبسبب مساعدات الخنوع ، والخضوع ، فلا كرامة ، ولا سيادة ، ولا إستقلال . وأود أن أختم ببيتٍ من الشِعر يجسد ضياعنا :
لا تبكِ يوماً على من باعك / إتركه يبكي دهراً على ضياعك .