ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
الصين ، هذا التنين العملاق في كل شيء ، عملاق بمساحته ، حيث تبلغ ( ٩,٥٦٩,٩٦٠ ) مليون كم مربع ، عملاق بعدد سكانه ( ١,٣٧٩,٣٠٢,٧٧١ ) نسمة ، عملاق باقتصاده ، حيث يبلغ الناتج الإجمالي القومي ( ٢٠,٤ ) تريليون دولار أمريكي عام ٢٠١٩ ، عملاق في صناعاته ، عملاق بتطوره المذهل ، الصين تَقَدُمٌ ، وتحدٍ ، وتطور بكل الميادين ، هذا التنين ، المارد ، العملاق .
يتوه الإنسان عند الحديث عن الصين ، لان الصين تُحيّر المتابع في كل شيء ، فمثلاً يختلف الناس في جودة ، او رداءة منتجاتها ، ففي منطقتنا مثلاً ، المنتج الصيني يمثل رداءة الجودة ، وعدم الاتقان ، وقِصَرِ عمر المنتج ، وتعطله المفاجيء ، لا يُركن عليه ابداً . لكن لا غنى عنه ، لتوفره ، وسهولة استخدامه ، وانخفاض أسعاره ، وتعدد أشكاله ، وإحجامه ، وحتى ألوانه . فنشتريه ، ونلجأ اليه ، رغم أنوفنا . أما في الغرب عامة ، وأمريكا خاصة ، فعندما تتحدث عن المنتج الصيني ، فأنت تتحدث عن الجودة العالية ، والإستدامة ، والعمر الطويل للمنتج ، والأمان اثناء الاستخدام ، والدقة في التصنيع ، وفي أحايين كثيرة تتأرجح أسعاره بين المعقول وغالي الثمن .
لاحظوا معي الفروقات التي تصل حد التناقض . فلا ثبات في التقييم ، الذي يتأرجح بين رداءة الجودة ، ورقيها ، وبين إنخفاض السعر وإرتفاعه . ولمن يستغرب ، أقول له ، هنا تكمن عظمة الصين الصناعية . فهم يصنعون كل شيء ، وبمختلف درجات الجودة ، وبفوارق كبيرة بالأسعار ، والمشتري ينتقي ما يناسبه ، ويمكنه تسويقه في أسواقه . هم يوفرون ما يتماشي مع كل الرغبات ، والمستويات ، والاستخدامات ، وانت كمشتري تنتقي ما تريد .
وللعلم هذا يعبر عن عظمة الصين ، وقدراتها الهائلة ، فهي تنتج كميات هائلة من المنتجات ، بمختلف أنواعها ، وأشكالها ، وجودتها . يساعدها في ذلك الكثافة البشرية الرخيصة والمنتجة ، والعاملة بجدٍ وجهد ، والتزام ، لدرجة إدمان العمل . وتبتكر ، وتطور ، وتصنّع منتجات جديدة حسب احتياجات الناس ، حتى البسيطة منها ، مما يسهل على الناس القيام بأعمالهم بسهولة ويسر ، وبأقل جهد ، وأقصر وقت .
دولة ، لا بل قارة ، بهذا التعداد السكاني الهائل ، والانضباط في العمل ، والقدرة الاقتصادية المهولة ، إستغلت كل قدراتها وامكاناتها فاقتحمت كل أسواق العالم ، الغنية الثرية ، وحتى الفقيرة المدقعة .
هنا تكمن عظمة وتفرد الصين .
الصين عامة ، دولة مسالمة ، لا تغزو ، ولا تحتل ، ولا ترغب في خوض الحروب ، ولا تتدخل في سياسات ونهج الدول الأخرى ، ولا تصنع البوارج الحربية ، ولا الطائرات المقاتلة ، ولا الأسلحة الفتاكة لغايات شن الحروب ، بل للتسويق ، ولا تطمع او تطمح بالتوسع ، ولا حتى السيطرة ، ولا تسعى لان تتحول الى إمبرطورية غاصبة ، فاجرة . كل ما تهدف اليه ، وتسعى لتحقيقة ، فتح أسواق ، لتسويق منتجاتها الهائلة ، وهي تحقق ذلك دون عناء ، وذلك يعود الى التنوع الهائل في منتجاتها ، كما أسلفنا ، فكل سوق ينتقي ما يناسبه ، من ناحيتي السعر والجودة . وللعلم إن تردي سمعة المنتجات الصينية في الأردن تحديداً ، يعود سببه في الأساس الى التجار الأردنيين الذين ينتقون أردأ وأسوأ الأنواع بأبخس الأثمان . ويتحايلون على الجهات الرسمية من جمارك وضرائب ومواصفات ومقاييس وخلافه ، لخفض الكلفة ، ويبيعونها بالأسواق باثمانٍ عالية ، لعدم وجود الرقابة ، فلا تستغرب ان تشتري منتجاً بسعر (٢٠ ) ديناراً ، تكون كلفته دولاراً واحداً ، فيشتري المستهلك منتجاً يوصف له بانه ( نخب أول ) ويتبدى له إنخفاض جودته عند الاستخدام ، فينتقم بالسباب على الصين ، متناسياً او غير مدرك ان من استورد هو من خدعه ، وهو من يستحق اللعنة .
ونأتي على مرض كورونا الذي انتشر في الصين مؤخراً ، واعتقد انه لا علاقة لطبيعة مأكولاتهم فعلياً بالمرض ، لانهم دأبوا على ذلك منذ قرون عديدة ، الا ان انتشار المرض بيّن القدرات العظيمة للصين ، وللتدليل على ذلك دون الخوض في التفاصيل ، تصوروا ان يتم بناء مستشفى (Huoshshenshan)في مدينة ووهان ، التي ظهر فيها الفايروس ، يتكون من ( ١,٠٠٠ ) الف سرير ، بمساحة ( ٢٥,٠٠٠ ) متر مربع بناء ، عمل به ( ١,٧٠٠) شخص ، ان يتم انجازه كاملاً وبكافة تجهيزاته الطبية والخدمية وان يستقبل مرضى كورونا في ( ١٠ ) أيام . وللعلم تم إنشاء عدة مستشفيات في عدة مدن . ما هذه القدرات الهائلة الخارقة !؟ صحيح انه سبق وان تم تشييد برج عظيم في الصين خلال أيام ، وسبق لي ان شاهدت دار المسرح الوطني الفلبيني في منطقة مكاتي في مانيلا ، حيث تم تشييده في ( ٣٠ ) يوماً . وهذا ذكرني بصدق ما طرحه الصديق العميد المتقاعد المهندس خالد نايف المعايطه قبل أيام ، حيث قال : انه لو كان مكان رئيس الوزراء لأمر بإنجاز الطريق الصحراوي ، ومشروع الباص ( البطيء إنجازاً وسيراً ) السريع خلال ( ٦٠ ) يوماً ، وإلا حاسب المقصرين .
أرى انه من الضروري الإطلال على مدينة ووهان الصينية واهميتها ، لانها مدينة غير عادية . ولاية ووهان ، تتبع مقاطعة ( هوباي ) ، تقع جنوب بكين ، في وسط - شرق الصين . وإذا اعتبرنا الصين هي قلعة العالم الصناعية ، فان ووهان تعتبر عاصمة هذه القلعة الصناعية العظيمة . حيث تساهم هذه المدينة بما يلي :- (٧٨٪ ) من صادرات الصين ، (٩٠٪ ) من عمليات صهر النحاس ، ( ٦٥٪ ) من عمليات تكرير النفط ، ( ٦٠٪ ) من عمليات انتاج الصلب ، ( ٤٠٪ ) من عمليات انتاج الفحم . وللعلم فان شركات جنرال موتورز ، وهوندا ، ونيسان ، وفورد ، اغلقوا مصانعهم في ووهان . كما ان شركة ستاربكس العالمية اغلقت (٥٠٪) من متاجرها في الصين ، اي انها اغلقت نحو ( ٢,٠٠٠ ) فرع في الصين . وارى انه من الضروري ان أشير الى تأثر النشاط السياحي العالمي بانعكاسات الفايروس ، حيث سيؤدي منع سفر الصينيين ، او حظر استقبالهم في مطارات العالم الى خسارة السياحة العالمية ( ٢٥٧ ) مليار دولار أمريكي ينفقها السائحين الصينيين في العالم سنوياً . وهذا يعتبر اكثر من ضعف ما ينفقه السائحين الأمريكيين ، ويتجاوز ما ينفقه سياح فرنسا وبريطانيا وألمانيا مجتمعين . ما أدهشني ان كثيرين يعزون انتشار فايروس كورونا الى انه صناعة أمريكية ، كنوع من أنواع الحرب الجرثومية ، لإجهاد الصين وإخضاعها ، للاستجابة للمتطلبات الاقتصادية الأمريكية . او ربما ان امريكا ضخمت من تأثير الفايروس ، ونشرت الرعب لكبح جماح الصين إقتصادياً ، وها نحن نرى آثاراً سلبية كبيرة على الاقتصاد الصيني . وأنا ارى انه لا يمكن الجزم بأسباب انتشار هذا الفيروس في الوقت الحالي ، وما علينا الا انتظار ما ستبديه الايام . كما ان علينا ان لا نُغفل الإجراءات الجبارة التي تتخذ للحد من انتشار الفايروس ، والتي نذكر منها على سبيل التدليل : تبين ان لديهم كاميرات تتعقب الوجوه وتستشعر الإصابة بالمرض ، كما انهم عادوا الى الأسلوب الشيوعي في الحكم في تفعيل المواطنة والمسؤولية الوطنية الحقة بان يبلغ الجار عن جاره .
رغم فداحة الضرر ، وعِظم المصاب ، وضخامة التهديد الذي يسببه انتشار هذا الفايروس ، الا انني اعتقد جازماً بان الصين ستتتجاوز المحنة وستخرج منها أقوى ، استناداً للعزيمة القوية لدى القيادة والشعب الصيني ، ولوجود الحزم ، والضبط ، والربط ، والانتماء المترجم في العطاء ، ولما يتوفر لديها من قدرات ومقدرات وطاقات هائلة .