ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
الطلاق فراق ، الطلاق نتيجة لعدم إتفاق ، الطلاق ربما يكون إنعتاق ، إنطلاق ، وربما يكون إرتياح ، لكنه أيضاً يمكن ان يكون إنهيار ، بعد إنبهار ، ربما يكون دمار ، وإنحسار بعد انتشار في العلاقات الاجتماعية ، ربما يسبب الضيق ، وضياع الطريق ، وخسران الرفيق ، وربما يتسبب في خسارة الصديق الصدوق ، وانفراط عقد المحبة بين الأحبة ، وربما يكون فيه بُعد حتى عن الأصدقاء ، وربما يؤدي للإنزواء بسبب نظرة المجتمع المتشككة ، والقيود الاجتماعيه المربكة . الطلاق خسارة ، وانهيار علاقة ، وهدم بيوت عامرة ، وتشتيت طفولة عاجزة .
الزواج ميثاق ، غليظ ، مقدس ، علاقة الزوجين فيه متشابكة ، متداخله ، متمازجة ، منفتحة ، ومنغلقة في آنٍ معاً . الزواج فيه سخاء ، وعطاء ، وإيثار ، وإحسان . الزواج فيه اولوية ، وأفضلية ، وكل اموره سرّيه خاصة ، لا تعرفه لا العامة ، ولا الخاصة . الزواج يحتاج الى العقلانية ، والمنطق ، والإنصاف ، كما هو بحاجة الى العواطف ، واللطفُ ، والحب ، والحنان ، والعطاء دون مِنةٍ او إمتنان . الزواج يحتاج للفَطِن ، النبيه ، المتزن . الزواج وبيت الزوجية هو الوطن الأصغر ، الذي اليه يُركن ، ويأمن ، وينتسب ، حصنه حصين ، ورابطه متين . الزواج دينٌ ، ودُنيا ، تتمازج فيه الدماء ، والأنساب .
لو لم يكن في الطلاق حكمة وفائدة في حالات معينة لما شرّعه الخالق ، وأحلّه .. فهو حلال رغم انه أبغض الحلال عند الله ، لانه في ظروف معينة فيه خلاص من خطر أكبر ، ومصيبة أخطر .
نسبة الطلاق في الأردن هي الأعلى عربياً ، تدهورت العلاقات الزوجية كما الاجتماعية . أين كنّا ، والى أين وصلنا ، والى أين نسير !؟ حيث طال الانهيار كل شيء ، لماذا !؟
أين ذهبت المودة ، والرحمة ، والحب ، والود ، واللين ، وحُسن المعشر ، كيف لإثنين كانا يتنفسان نفس الهواء ، ويتوسدان الذراع على مِخدة واحدة ان يفترقا !؟ ومما يؤسف له ، ان أسباب الفراق تكون في الغالب الأعم بسيطة لدرجة التفاهة ، ويمكن تجاوزها بتحمل ، وصبر احدهما لدقائق او ساعات او بضعة أيام بحدها الأقصى ، حتى تهدأ ثورة بركان الآخر ، خاصة عندما يكون هذا الآخر رفيق العمر ، وفتى او فتاة الأحلام ، اللذين كانا يتقاسمان لقمة الخبز بغبطة وسرور وبهجة ، لماذا لا يتعقلان ، لماذ لم يفكرا في اللحظات والساعات والأيام الجملية التي قضياها معاً !؟ لماذ لا يسيطران على انفعالاتهما ، الذي يقودهما الى المجهول ، الى التعب ، الى العذاب ، الى نكران الجمائل !؟
الزواج رابط غريب ، عجيب ، يستأهل التضحية . وهل يعتقدان انهما بعد الطلاق سيحظى كل واحد منهما بملاك مُنزل من السماء ، بدون عيوب او أخطاء ، وحتى بدون تقصير !؟ من الأكيد ان المصير يكون مجهولاً لكليهما . وهذا يذكرني بإجابة للشيخ الدكتور مبروك عطيه ، الذي لا تخلو فتاواه من الدعابة والمرونة ، عندما اتصلت به إحدى الزوجات تخبره بخلافات بينها وبين زوجها وأنها تود الطلاق منه . قال لها : وهل تتوقعين انكِ بعد الطلاق ستتزوجين من سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب !؟
عند التصعيد السلبي الذي يسبق الطلاق ، وبعد حصول الطلاق ، يكثر النفاق ، من البيئة المحيطة بالطرفين . واعتقد ان الغالبية العظمى ممن يقع بينهم الطلاق ، يندمون بعد زمن ، قد يطول ، او يقْصُر ، نعم يندمون ندماً شديداً ، يلازمهما طول العمر ، ويختزنان هذا الندم ، ولا يصرحان به بالمطلق .
الحكومات الأردنية المتعاقبة التي فشلت في إدارة الدولة الأردنية ، تتحمل المسؤولية عن ازدياد حالات الطلاق بهذا الشكل ، بسبب العوز ، والفقر ، وضنك العيش ، مما جعل الناس موتورين ، عصبيين ، لفشلهم في تلبية متطلبات أُسرهم ، حيث يتسبب الفقر ، والحاجة ، والعوز بالكثير من حالات الطلاق . ثم تتحمل عائلتيّ الزوجين النسبة المتبقية ، بسبب تدخلات أهل الزوج ، او أهل الزوجة ، أحدهما او كلاهما ، وسبب ذلك يعود الى مفاهيم بالية ، متخلفة ، يهدفون من وراء تدخلاتهم السيطرة ، والتبعية ، دون ان يدركوا ان هذه بداية تكوين أسرة مختلفة في كل شيء عنهم ، بسبب فارق السن ، وأنهم من جيل آخر مختلف ، يختلفون في نظرتهم للأشياء ، وتعاملهم مع الحياة ، وطريقة تفكيرهم .
على ما يبدو ان لا حلّ لإرتفاع نسبة الطلاق في الأردن ، لانه لا أمل في مساهمة الحكومة في إزالة بعض الأسباب المؤدية للطلاق التي هي مسؤولة عنها ، برفع الضنك ، والفقر والعوز عن المواطن ، التي هي نتاج سياسات الارتجال ، والهوجائية ، والعشوائية ، والتخبط . لكن يمكن للمجتمع التخفيف منها برفع مستوى الوعي لدى أهالي الزوجين ، بعدم التدخل في شؤونهما ، والترفع عن سياسات الاستقطاب والتحيز ، وحشر أنوفهم ، والاعتراف باستقلالية الزوجين لبناء بيت الزوجية كما يروق لهما دون أية تدخلات . وبصراحة وبساطة ( الحماه ) التي لا تساند وتحتوي ( كِنتها ) ، جهلها يمنعها من ادراك انها تساهم بهدم بيت إبنها ، الذي تدعي بجهل او غلٍ بانها تحبه وتريد له الخير ، ودورها هنا يشبه دور الدب في حماية صديقه من ذبابة حطت على انفه ، والكل يعرف هذه القصة العِبرة .
المصائب ، والمصاعب التي حلّت بمجتمعنا كثيرة جداً ، والمجتمع إنحطت قيمه ، وتراجعت هممه ، وزاد سقمه الاجتماعي والاقتصادي ، وتعقدت حياته ، وانحدرت اخلاقه . فأصبح مجتمعنا غريب الأطوار ، لم يبقَ من مُثُله ، وعاداته ، ورُقيه ، وقيمه ، وتسامحه شيء ، وتغير وانحدر . أين كنا !؟ وكيف كنا !؟ ولماذا هكذا صِرنا !؟ لا أدري الى أين نحن ذاهبون ، لكنني أعرف من أوصلنا الى هذا ، إنه الفقر ، والعوز ، والحاجة ، وضيق ذات اليد ، فضاقت صدورنا ، وزادت انفعالاتنا ، وتفجرت عصبيتنا ، فوصلنا الى ما وصلنا اليه . لا أمل ولا رجاء ، وهل غير الله يرتجى !؟