ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
بداية ، انا شخصياً لست معارضاً ، لان المعارضة لمن يود انتهاجها لها أساليب ، وأُطر ، وآليات ، وأُسس ، ومرتكزات . لكنني أعتبر نفسي ناقداً ، و ناصحاً ، غيوراً على وطني ، أجتهد ، ولا ادعي إمتلاك الحقيقة او صحة او دقة ما اكتب ، راجياً اعتبار كل ما اكتب ضمن إطار الإجتهاد الذي يحكمه حُسن النية ، والبعد عن النفعية او المصلحية . مؤشراً على مواطن الخلل في الوطن سواء كان فساداً ، او سوء إدارة ، او غطرسة ، او تجبراً ، او تخاذلاً تجاه الوطن والمواطن . كما انني لا يوجد لديّ برامج وخطط واستراتيجيات بديلة عن ما تنتهجه الحكومات ، ثم انني لا ارتبط بأية جهة تنظيمية رسمية او شعبية لا داخلية ولا خارجية . يضاف الى ذلك ان طبيعة آليات إدارة الدولة الاردنية لا تساعد على وجود معارضة معتبرة ترتقي لمستوى الدور المأمول . معارضة منظمة لها نهج يختلف عن نهج الحكومات في إدارة شؤون الدولة . لأن الدولة الاردنية منذ نشأتها تنتهج التسلط ، والتفرد والإقصاء ، والتهميش ، ويضيق صدرها بالرأي الآخر ، حتى لو لم يصل حدّ المعارضة ، ولا تُقرِّب الا من تستقطبه ، وتعرف ثمنه ، فتُقربه ، وتُنفِّعَهُ ، واذا شذّ ولو قليلاً، بالغت بإقصائه ، وضيقت عليه ، الى ان يُعلن توبته وإنقياده .
المعارضة تحتاج الى إطار تنظيمي بالأساس حزبي ، والاحزاب لا يمكن ان تتأسس بقرارات ، او رغبات . الأحزاب عندنا يمكن ان ينطبق عليها اي مسمى الا ان تُسمى احزاباً ، باستثناء بعض الأحزاب القومية والاشتراكية التي تستند على تاريخ عظيم يرتبط بالحزب الأم وأمجاده التليدة ، ويمكنها الانطلاق وفعل شيء مميز على ساحة الوطن ، باقتباس تجربة الحزب الأم الثرية مع إجراء تعديلات للتماشي مع المتغيرات، وتجنب الإخفاقات ، ومراعاة خصوصية الوطن ، لكن هزالة ، وانغلاق ، وتخلف ، قانون الأحزاب والقيود الأخرى ذات الصلة تمنع مثل هذه الأحزاب التي تحمل إرثا ايديولوجيا عميقاً وعظيماً تمنعها من التمدد وأخذ دورها الطبيعي ، مع انها احزاباً وطنية ، وهنا يتضح إفتقار الدولة الاردنية الى الوضوح ، والارتقاء في النهج ، لان ما تضمره للأحزاب يتعارض تماماً مع ما تُظهره ، ولانها تود أحزاباً يمتلكها أفراداً ، كما الصالونات ، او الدواوين .. الخ سمِها ما شئت ، الا ان تسمى أحزاباً .
شهدت الساحة الاردنية في خمسينات القرن الماضي احزاباً معارضة منظمة محترفة في العمل السياسي ، كل حزب له نهجه ومبادئه ولها أُطر تنظيمية صارمة ومحترمة ، تُنمّي الفكر ، وتَضبط سلوك الأعضاء ، ولا مجال فيها للمنافع الشخصية او شراء الذمم . لكن الدولة الاردنية ارتكبت خطأ قاتلاً تدفع ثمنه الان ، وستستمر في دفعه الى ما شاء الله ، حيث ضيّقت على هذه الأحزاب والتنظيمات المحترفة ، المحترمة حتى فكفكتها وأضعفتها الى ان اختفت من الساحة ، بدل ان ترعاها ، وتنميها ، وتوطنها ، وتأردنها ، نعم توطنها وتأردنها . كان يسود الساحة الاردنية عددا كبيراً من الأحزاب قوية التنظيم ، راقية النهج ، منها احزاباً قومية ، واحزاباً اشتراكية ، وأحزاباً إسلامية ، ولم يتبق منها الا حزباً واحداً هو حزب الإخوان المسلمين . وحزب الإخوان المسلمين منذ ان تم ترخيصه في الأردن وسمحت الدولة الاردنية بفتح مكاتب له في خمسينات القرن الماضي ، وحتى الان ، لم يشكل خطرا جدياً يهدد وجود النظام مطلقاً . بداية لان النظام دجّنه ، وتحالف معه ضد الأحزاب القومية والاشتراكية ، وكان طِفل الدولة الاردنية المُدلل ، مع انه لم يتخلَ يوماً عن ارتباطه بحركة الاخوان المسلمين العالمية . حتى انه حصل على ما يقارب (٢٥ ) نائباً في انتخابات عام ١٩٨٩ ، ولم يتعدَ تفاعله ضد النظام عن مستوى المناكفات بين الفينة والأخرى ، لإرضاء تنظيمهم العالمي .
أما بخصوص المعارضة فان قناعتي الشخصية المتواضعة ان المعارض غير المنتفع من معارضته ، لا يغادر وطنه ، الا اذا كان هناك تهديداً جدياً وخطيراً على حياته بتصفيته جسديًا ، وهذا النهج الدموي لم ينتهجه الهاشميون منذ مئة عام . على امتداد تاريخ الوطن والمعارضون يعيشون في وطنهم ، بين ظهرانينا ، ولم يغادروه منذ خمسينات القرن الماضي ، وكلنا نعرفهم بالاسم . كانت مشكلة الدولة الاردنية ، وما زالت انها لم تطور آليات تعاملها مع المعارضة ، لا بل بدل تطوير الآليات ، فانها تشهد انتكاسات خطيرة ، عندما تقوم بحبس المعارضين والتضييق عليهم . صحيح انه هو الإجراء الأقسى ، والأقصى الاّ انه إجراءاً يتعارض مع الديمقراطية التي ندعيها . كان بإمكان الدولة الاردنية ان تبني على نهج الهاشميين الإيجابي والمتفرد على مستوى المنطقة المتمثل بعدم اللجوء للتصفيات الجسدية .لكنني اعتقد ان رسالة الهاشميين قُرأت خطأً من الحكومات ، حيث فهمت الحكومات ان كل الإجراءات ما دون التصفية الجسدية مباحةً ، لكنني اعتقد ان الهاشميين يقصدون عدم الإفراط في التضييق على المعارضين ، والدليل ان المرحوم الملك حسين اخرج احد المعارضين بنفسه من السجن وأوصله الى بيته . والغريب انه رغم توزير الدولة عشرات المعارضين وتسلمهم مناصب حساسة جداً ، الا انهم لم يُقنعوا ، او ربما لم يُحاولوا تطوير آلية تعامل الدولة الاردنية مع المعارضة .
لا أُنزه أفراد المعارضة الخارجية ، وهم أفراداً ، وليسوا تنظيمات ، ولا حتى جماعات ، ولا يُشكلون خطراً على النظام ، لا أُنزههم ، من ارتباطات مع جهات خارجية ، كما انه لا يمكنني إتهامهم ، لكنني لا ارى مبرراً لتواجدهم في الخارج ، لان أقصى ما يمكن ان يواجههم لن يزيد عما تواجهه المعارضة في الداخل . المعارضة تعتبر أكسير حياة الأوطان ، لانها تؤشر على أماكن الخلل التي ربما لم يُلتفت اليها ، لتصحيح النهج ، والارتقاء بالأداء لمصلحة الوطن . في هذا الظرف الخطير ، على الدولة الاردنية ان تحتضن المعارضة ، وتنميها ، وتفعّل دورها الوطني ، لا ان تزجهم في السجون . لان من يختطون لأنفسهم نهج المعارضة ، يكون دافع غالبيتهم مصلحة الوطن ، وغيرتهم عليه ، فإذا كانت الحكومات تتصف بنفس غيرتهم على الوطن ، عليها ان تدرك ان الهدف مشترك بينها وبين المعارضة ، وان الإختلاف ينحصر في الآليات المتبعة ، واعتقد ان شرفاء المعارضة الداخلية هم اكثر انتماءاً للوطن من الحكومات . ومن المهم ان نعرف ان التوافق مع المعارضة الداخلية يُعزز ، ويُمتّن ، ويُقوي الجبهة الداخلية لمواجهة المخاطر الخارجية ، التي تستهدف الوطن كياناً ووجوداً . وأرى ان ذلك لا يستقم لعدة أسباب منها : ان غالبية الوزراء إما طارئين او غير أكفياء او غير منتمين .