ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
الأردن بلد عظيم بأهله ، وسُكانه ، وعائلاته ، وعشائره ، وقبائله ، بدواً وحضراً . تميّز الاردنيون على مرّ العصور بتمسكهم بعاداتهم ، وقيمهم العربية الأصيلة ، كالشهامة ، والنخوة ، والكرم ، وإغاثة الملهوف . وما زال الأردني يتمسك بعاداته الموروثة ويَعضّ عليها بالنواجِذ ، رغم ضيق ذات اليد ، لدرجة العَوز ، فترى الاردني يُصرّ على دعوة الضيف وإكرامه ، فيسْتَحلِف الضيف بالله ، ويُقسم الايمان الغليظة الجائزة وغير الجائزة ، والمناسبة وغير المناسبة ، وقد يُكلِّفه اكرام الضيف ذبيحة او اكثر ، وربما تكون جيوبه فارغة لا يمتلك ديناراً ، الا انها مليئة بالاصالة والكرم والكبرياء .
هذا هو الأردني ، وهذه هي أصالته ، وهذا هو كرمه ، ( الأردني أمضى من سِلاحِه ) كما يُقال . وهكذا هي عائلة ابو جابر ، العائلة البلقاوية الأردنية العروبية الأصيلة . حسب كتاب ( قاموس العشائر في الاردن وفلسطين ) وحسبما ورد عن المرحوم الدكتور رؤوف سعد ابو جابر ، فعشيرة ابو جابر هي من العشائر المسيحية وينتسبون الى قبيلة الجوابره ، الذين يقال ان جذورهم تعود الى بلدة الربّة في الكرك . حيث هجروها الى حسبان ثم الفحيص ، ورحل قسم منهم الى حوران ، ومرجعيون ، والناصرة ، واستقر قسم منهم في السلط . وجدُّهم ناصر ابو جابر كان له ولدان صالح ، وابراهيم ، سكن صالح في الجويدة ، وسكن ابراهيم في اليادودة ، وكانا من كبار الملاكين للاراضي . والشيخ سعد باشا ابو جابر كان ممثلاً لمسيحيي السلط . كانوا يملكون اراضٍ بمساحات كبيرة ، لدرجة انهما كانا يمتلكان ( ٩٦ ) فداناً أي ( ثوراً ) لفلاحة الارض ، وكان يعمل عليها اكثر من (١٠٠ ) عامل . والجدير بالذكر ان قصر ( او مضافة ) ابو جابر الذي بناه صالح بن ناصر في اليادودة ، بقي ذائع الصيت ، لعقود من الزمن ، يطرق الناس ابوابه التي لم تغلق ، لا في الليل ، ولا في النهار ، فيأكلون ويشربون ، وينامون ويستريحون فيها دون مقابل ، وقد استمر حتى اواسط الستينات من القرن الماضي . وأنا شخصياً ومنذ ايام طفولتي كنت أسمع في مجالس الرجال في قريتي زحوم في الكرك ، وهم يتحدثون عن قصر ابو جابر وكانوا يقولون انه كان مكتوب على باب القصر (( مَلّعون إبن مَلّعون ، من يَمُر من هنا وهو جائع او عطشان او تعبان ولا يدخل قصر ابو جابر ليتم إكرامه )) . كما انني كنت أحفظ عدداً من أبيات الشِعر البدوي التي تتغنى في قصر ابو جابر ، كانوا يهزجون بها في الافراح (( ... قصر ابو جابر يِمُرّْنُه ... )) .
فُجع الأردن بِفَقْدِ الأستاذ الدكتور كامل صالح ابو جابر ، وزير الخارجية الأسبق ، الرجل المتميز خُلقاً ، وعِلماً ، وتعاملاً ، وحَسَباً ، ونَسَباً . كما فُجِعنا قبل وقت ليس ببعيد بِفَقْد العلاّمة الدكتور / رؤوف سعد ابو جابر . الذي تشرفت برفقته ضمن أحد الوفود الاردنية التي ذهبت الى العُراق ، أيام كان العُراق عظيماً ، لعدة ايام ، حيث كنّا قريبين من بعضنا كثيراً جداً ، لدرجة اننا لم نَفترِق الاّ قليلاً ، فاذهلني بقيمة الراقية وتواضعه الجمّ ، وموسوعته المعرفية المذهلة ، محاولاً ان أنهل منها ما أمكن ، وهو الذي إعتذر عن المُشاركة في حكومة الرمز الأبدي الأردني وصفي التلّ عام ١٩٧٠ .
لاحظوا معي إسم العائلة والاسماء التي ينتقونها : كامل / صالح / رؤوف / سعد / ابو جابر ، حتى اسماؤهم تدل على الصلاح ، والكمال ، والرأفة ، والسعد ، وجبر الخواطر ، التي هي من الإحسان وهو من أعظم قيم الانسان . عندما تمتد جذور عائلة أردنية ، عروبية أصيلة ، عظيمة القيم ، لِيحمِلها رجالاً حمَلوا قيم العائلة في الشِدة والرخاء ، بكل كرم وسخاء ، قيمهم قيم النبلاء ، في الكرم والعطاء . عائلة ضاربة جذورها في أعماق الأرض ، وتحمِل عراقة ، وأصالة الوطن ، كيف لك ان تغامر بالحديث عنها !؟ عائلة كثيرة التفرعات ، قليلة العدد ، جليلة القدر ، مُهابة الجانب ، رفيعة النسَب ، عالية الحسَب ، تجسدت فيها كل قيم النبل ، والكرامة ، والكرم .
الله يجبر علينا بفقد كامل ، ويرأف بنا بفقد رؤوف . بفقدهما فقد الوطن قامتين ، وطنيتين ، إنسانيتين ، علميتين ، أخلاقيتين ، نزيهتين ، شريفتين ، عفيفتين ، متواضعتين ، كريمتين ، معطائتين . قصر عائلتهم المنيف الذي مازال موجوداً كمرفق سياحي في اليادوده للان يشهد على عراقتهم ، وأصالتهم ، وكرمهم . هؤلاء هم الذين يفخر بهم المواطن والوطن ، أصول عريقة ، وجذور ضاربة في اعماق الارض ، وتعليم ، وفكر ، واخلاق ، وقيم ، ونبل ، وإستقامة ، وانتماء ، وعطاء للوطن ، عائلة تئن مع الوطن في نوائبه ، وتفرح من فرحه . الى حنان الخلد ان شاء الله .