ناطق نيوز-كتب الاستاذ الدكتور شحادة العمري
خطر التجمعات عند تفشي الوباء
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم لأصحابه خاصة ولأمته عامة أن لا نتمنى لقاء العدو، وأن نسأل الله تعالى العافية ، قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية) وهذا الحديث الشريف نص في النهي عن تمني لقاء العدو لما قد يترتب على هذا التمني من آثار سلبية قد لا يتحملها المؤمن .
إنَّ قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تمنوا لقاء العدو) جاء نصًّا صريح الدلالة، ويقابل هذا النهي أمرٌ نبوي عظيم قوله ( وسلوا الله العافية)
إن كلمة (العدو) تدل بمادتها وصيغتها معنى السرعة لإلحاق الأذى ، وهو المتصور من العدو سواء أكان هذا العدو إنسياً، أم جنياً، أم وباء ، الكل يشترك بسرعة الانقضاض لإلحاق الأذى والضرر.
والمتأمل في العلاقة بين العدو البشري الظاهر والعدو الفيروسي غير الظاهر يجد الصلات بينهما قوية، والوشيجة متأصلة، فلا فرق بين عدو يحمل السلاح ليقتل الناس، وبين وباء يحمل الفيروس ليفتك بالناس.
إننا نعيش في أجواء الفيروس الذي انتشر في البلاد كانتشار النار في الهشيم، وإذا كان إطفاء النار عند اشتعال حقول القمح فرضاً، فإن المسارعة لإطفاء نار الفيروس أعظم، لأن النار الحسية تحرق الزرع، ونار الفيروس تحرق الخلق.
ولا ريب أن العدو يتمنى أن ينتصر دون أن يخسر ، فإذا تجمعت أفواج الناس أمام أعين العدو المتربص فإنه يرميهم دون رحمة ، فنخسر العنصر البشري وهو ركيزة الأمة والمجتمع.
لقد عاش الأردن مرتاح البال حينما كانت أعداد المصابين محدودة ، وها نحن نعيش هذه الأيام في تزايد مستمر لأعداد المصابين مما لم نعهده من قبل مما يتطلب سرعة اتخاذ الاجراءات الوقائية في مختلف المناطق.
ومن أبرز هذه الإجراءات المهمة :
أولاً: منع التجمعات التي تسمح للفيروس بالانتشار؛ لأنه يشبه العدو الذي يتمنى أن نكون تحت مرمى نيرانه، وكذلك الفيروس لا يقل ضراوة في فتكه عن نيران الأعداء.
ثانياً: تجنب المصافحة لأن فيها قرباً جسدياً، قد يؤدي إلى انتشار الفيروس، والتحذير من المصافحة ليس معناه أننا ندعو إلى التدابر، أو أننا في هذه الدعوة نخالف منهج الصحابة رضي الله عنهم الذين كانت المصافحة شعاراً ظاهراً في توادهم فإذا التقى الصحابي مع أخيه الصحابي تصافحا.
إن التحذير من المصافحة إنما هو في ظل انتشار الوباء لأن في المصافحة قرباً قد يؤدي إلى تفشي الوباء، وإذا حصلت المصافحة وانتشر الوباء نكون قد خالفنا معنى المصافحة التي معناه الصفح والعفو والمسامحة، فإذا جرت المصافحة وانتقل الوباء، فإن المصاب ربما يدعو على المُسبب، وخاصة إذا تمكن الفيروس من جسم المصاب، وساعتئذ ينقلب الصفح إلى عداوة وبغضاء.
ثالثاً: تجنب المعانقة والتقبيل ، ذلك لأن صحة الأبدان مما تدعو إليه جميع الشرائع والأديان في كل زمان ومكان، ولذلك جاء النهي عن صوم رمضان في ساحات الوغى حتى لا تضعف أجساد المسلمين في مقارعة الأعداء مع أن صوم شهر رمضان فرض على القادر، ولعذر القتال جاءت رخصة الإفطار.
إن العالم الْيَوْم يعيش وباء دخل إلى أجساد الناس دون استئذان فصار من الواجب أن نعيد النظر في أسلوب حياتنا من حيث المحافظة على صحتنا وأوقاتنا لما بينهما من تلازم وخاصة في هذه الأيام التي يمر الوقت فيها بسرعة لم تعهدها الأجيال السابقة.
ولا شك أن للإنسان قيمة عظيمة في الوجود ، فإذا كان صحيح البدن أدى رسالته بكل أريحية ، وحقق أهدافه المرجوة ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب في شريعة الإسلام فصار من الواجب علينا ترك التجمعات؛ لأنها سبب لتسلل الفيروس ، ووسيلة لانتشاره بين الناس في تجمعاتهم.
وهذه الوباء يفرح إذا لم نأخذ حذرنا منه بالابتعاد التجمعات في الأماكن العامة والخاصة مهما كانت أهدافها ، لنقطع خطوط اتصالات الوباء في الأثير ليرحل عن شعبنا ، ويعود الأمن إلى ربوع الأردن خاصة والعالم عامة
والحمد لله رب العالمين