لِمَنْ أَخْفَقُوا .. في الإنْتِخَابات
ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
أودّ ان أُلقي الضوء على موضوع هام على المستويين الرسمي والشعبي ، وعلى مدى علمي لم يتطرق له أحد من قبل . خلال العقدين الماضيين حدثت عدة انتخابات نيابية ، منها من لم يُكمل مدته القانونية بسبب حل مجلس النواب ، ومنها من اكمل المدة القانونية ، ولاحظنا ان الكثير من الوجوه تكررت لعدة دورات نيابية .
لكن موضوع المقال يتعلق بمن لم يحالفهم الحظ بالفوز في الانتخابات النيابية . من وجهة نظري المتواضعة ، وحسبما تجمّع لديّ من ملاحظات عبر التعايش والمتابعة والمعرفة الحقيقية لعدد من الاشخاص الذين لم يحالفهم الحظ ، أجد وكأن بعضهم ( أؤكد بعضهم ، وليس كلهم ) بينهم قواسم مشتركة في الصفات الشخصية والقيم الذاتية والنهج الحياتي . لاحظت كمتابع متواضع ان عدداً غير قليل منهم يتصفون بالنشاط والحيوية المجتمعية الوازنة ، ولديهم فكر عميق ، وقيم راسخة ، ونبل في السلوك ، والنزاهة ، ومقدرة في سبر اغوار المشاكل المجتمعية ، ومعارضة ، ورفض ، وعدم اقتناع بنهج إدارة الدولة الاردنية ، ومنهم من تتحفظ الدولة الاردنية العميقة على ترشحهم ، فتضع الدولة العراقيل حتى لو كانت اسبابها واهية .
إستناداً لما سبق وذكر اعلاه ، أجد ان بعض افراد هذه الفئة قد اخطأت بحق نفسها اكثر من الخطأ الذي إرْتُكِبَ بحقها على المستويين الشعبي والرسمي ، كيف !؟ من البديهي ان يدرس الانسان ويعرف جيداً بيئة العمل التي يود ان ينتقل اليها حتى ولو على مستوى العمل في وظائف بسيطة ، فكيف يكون الوضع عند الرغبة في إقتحام بيئة ترفض مثل هؤلاء !؟ لكن لأكون منصفاً ، لا بد ان أشير الى وجود رغبة ودوافع قوية لديهم تدفعهم للمساهمة في رفعة الاداء ، وصهر الخبرات ، وعكس القيم النبيلة في البيئة المستهدفة ، لكن المشكلة تكمن في رفض تغيير النهج على المستوى الرسمي للإبقاء على المستوى عمّا هو عليه . لذلك نصيحتي لمثل هؤلاء ، وقد نصحت بها اشخاصاً عديدين منذ عقود من الزمن ، وفي وقتٍ قريب ، حيث اقول لهم ما تقوله المقوله الشعبية : (( لا تروز حالك عند ربعك ، والحجر في محله قنطار ، وهذا عصر إنحدار القيم )) .
المؤلم أن هذه الفئة واجهت خُذلاناً مقيتاً ، وجحوداً كبيراً مؤلماً في ظاهره مجتمعي ، وفي خفاياه رسمي ، فأضروا بأنفسهم أيما ضرر ، وعليه فانهم بالأصل أخطأوا في قراءة المشهد العام ، لذلك أخطأوا في الإقدام على هكذا خطوة لانهم أرادوا خوض غمار تجربة في بيئة طاردة لهم .
عندما ينحرف المسار ، وتتعدد الأخطار ، ويسود زمن الروبيضة ، على كل حصيف ان ينأى بنفسه ، ويعمل بأضعف الإيمان الذي يكمن في القلب وينحصر ويتحدد بالانكفاء والإكتفاء بالتمسك بما يحمل من قيم ، لأن الدهماء عندما ينحرف مسارها تنقلب القيم ، ويُشَوَّه المجتمع ، وتصبح العامة ليست على المسار الصحيح ، ففي هذا الزمن الرديء ، ليست الدهماء مع الحق دوماً ، لذلك نجد ان الكثيرين ممن يشاركون هؤلاء صفاتهم يعزفون ويترفعون حتى عن مجرد المحاولة فينجون بأنفسهم ، ويصبح البُعد غنيمة .
لذلك نجد ان عشرات الألوف يعزفون وينأون بأنفسهم ومئات يتمسكون ويتكررون . وانا أحياناً ارى ان عدم التوفيق ، توفيقاً ، ودليل على صحة النهج والطريق . ومن الملاحظ ان بعض من يخفقون في الوصول الى النيابة يحدث تغيراً كبيراً في تعاملهم مع المجتمع فيشككون بكل الناس ويصبح الانطباع عندهم ان عدم الوفاء وعدم المصداقية صفة عامة ، فيحدث لديهم انطباع سلبي ، وانا ارى انهم لم يلتفتوا لشيئين : - اولهما : انهم غير مرحبٍ بهم رسمياً . وثانياً : ان النهج الرسمي غير السوي قد انعكس على المجتمع وشوه مواقفه وقناعاته وانحدرت قيم العامة من الناس ، وان اخفاقهم ليسوا هم سببه ، ولا لانهم غير أكفياء ، وانما لان اغلب الناس في هذا الزمن انحدرت قيمهم ، وهذا يؤدي الى التنافر ، على قاعدة ان الطالح لا يمكن ان يُرحِّب في الصالح .
مع انني لست سلبياً ، لكنني أرى ان خوض غمار الترشح للنيابة في ظل الوضع الحالي مغامرة غير مدروسة ، وزج بالنفس في أتون معركة خاسرة ، ما لم يكن لدى الدولة الاردنية استعداداً حقيقياً لتغيير النهج ، وتصحيح المسار ، وخلق البيئة الإيجابية ليتقدم الأخيار ويتصدرون المشهد العام .
عقلانياً ، من حق أي نظام ان يسعى لان يكون له ازلام او اتباع في المجالس النيابية ، لكن الخطأ عندما يبحث عن اتباع انتهازيون مصلحيون ضعفاء ، لان الضعيف يكون عبئاً ، ولا يمكن ان يكون سنداً بالمطلق . لو كان نهج الدولة الاردنية صحيحاً وتعمل لمصلحة الوطن والمواطن ، لهيأت كل السبل لاقرار قانون حضاري ، ولعملت على تهيئة كل الظروف ليتسابق من يتصفون بالكفاءة والنزاهة للوصول الى مجلس نواب يرتقي بالوطن ، لخدمة الوطن والمواطن . والواقع ان الفاسد يعتبر النزيه من ألدِ اعدائه فيقصيه ويبعده ويتخلص منه ، كما ان المستقيم الشريف لن يقبل فاسداً او ساقطاً من ضمن كوادره ، لان وجوده يعتبر مفسدة للنهج المستقيم . وكذلك المسؤول القوي الواثق المتمكن يسعى لان ينتقي من يشاركونه صفاته . يعجبني بيتاً من الشِعر الشعبي لأختِمَ به يقول :-
رَجلاً يِشِيلَهْ مَنْصِبَهْ ويِتْعَدَاه / ورَجْلاً يِشِيلْ المَرْتَبَهْ ما تِشِيلَهْ .