الفارس الشيخ / محمد باشا الحسين العواملة .. كَرَمٌ .. ورجُولة
ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
(( الجزء الثاني والأخير ))
كان الشيخ / محمد الحسين العواملة ، وطني ، وقومي نقي ، حيث كان شديد العداوة للمستعمرين العثمانيين والإنجليز ، رافضاً كل الإغراءات ، والمزايا ، والهديا ، والأراضي التي عرضتها عليه بريطانيا لإسترضائه . لكنه بقي على نهجه لإخراج الإنجليز من الأردن وفلسطين في السر والعلن ، وإعلان الإستقلال عن الإنتداب البريطاني ومقاومته بكل الوسائل .
من صفاته أنه كان خيّالاً ، وصياداً ، يعزف على الربابة ، كان واسع الصدر ، كريم النفس ، شديد الغضب إذا غضب ، شديد الإعتزاز بنفسه ، شخصيته قيادية قوية لا تلين ، ولا تعرف الضعف او الخوف ، كان يميل الى السُمنة ، وأسع العينين ، ذا شاربين كثيفين .
بعد نجاح المحتلين الفرنسيين بتواطؤ مع الإنجليز ، تم إسقاط الحكومة العربية الفيصلية في دمشق ، التي كانت مناطق شرق الأردن تابعة لها ، حاول الإنجليز فرض سيطرتهم إدارياً على الأراضي الأردنية ، فتصدّت العشائر الأردنية الى الخديعة وشكّلت عِدّة حكومات محلية ، كان من بينها حكومة السلط ، لتتولى رعاية شؤون منطقة السلط التي إدارياً تضم السلط ، وعمّان ، ومادبا . وكان الشيخ / محمد باشا الحسين العواملة أحد ممثلي السلط في مجلس الشورى الذي إنتخبه الأهالي لتسيير أمور الحكومة المحلية ، وكان من بين أعضاء المجلس السادة / نِمر الحمود / سعيد الصليبي / الخوري أيوب وغيرهم . وبعد تأسيس الإمارة تم إختياره عضواً في اللجنة الأهلية لوضع قانون للمجلس النيابي عام ١٩٢٣ . كما شارك في تأسيس حزب الشعب الأردني الذي تأسس بزعامة الشيخ / عبدالمهدي الشمايلة عام ١٩٢٧ . كما كان من أبرز قادة المظاهرات الصاخبة ضد الإحتلال الفرنسي والبريطاني . كما كان من بين أعضاء وفد السلط الذي قابل الأمير عبدالله ، وتحدث نيابة عن الوفد مخاطباً الأمير (( يا صاحب السمو فوجئنا بالمعاهدة الأردنية البريطانية ، ونحن أهالي البلاد الذين يحق لهم وحدهم تقرير مصيرهم ، وبما ان المعاهدة تقضي بان تكون بلادنا مُستعبدة لإنجلترا ، وهي بمثابة أعِنّة وضِعت في رقابنا يقتادنا بها الإنجليز الى حيث يشاؤون فإننا نرفضها جميعاً )) . أين نحن من هؤلاء الرجال الأشاوس !؟ وهل إختفت جيناتهم ولم تصلنا !؟
كما شارك في المؤتمر الوطني الأول الذي عُقد في مقهى حمدان الشهير في عمّان بتاريخ ١٩٢٨/٧/٢٥ ، والذي كان يرأسه الشيخ / حسين باشا الطراونة . حيث صاغوا ميثاقاً وطنياً التقت عليه كل أطياف المجتمع الأردني . وهذا يعكس ما كان يتمتع به أجدادنا الأفذاذ ، رجالات الرعيل الأول من وعيّ سياسي وقانوني وإداري وإقتصادي ، الى جانب ما كانوا يتصفون به من روح وطنية وقومية عالية ، ورجولة ، وجرأة ، نفتقدها اليوم في أحفادهم .
أتمنى لو أن الفارس الشيخ الجليل / محمد باشا الحسين العواملة ، يعود الينا ليرى أحوالنا ، وما نحن فيه من ذُلٍ وهوانٍ ، وفَقْدِ كرامة ، ولا عِز ّْولاجاه ولا إحترام ، وينهشُنا الفقر والعوز والقهر . لا أدري لو إطّلع هذا الفارس الصنديد على هواننا ماذا عساه قائلاً ، او فاعلاً !؟ أظن أن جينات الأردنيين الأوائل لم تنتقل إلينا ، ولا أدري لماذا !؟ من أين أتانا هذا الخُوار ، والوهن ، والجُبن !؟ قال ربُّ العرش العظيم (( إن الله لا يُغيِّرُ ما بِقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفُسِهم )) صدق الله العلي العظيم ، سورة الرعد ( ١١ ) . لأجدادنا الأشاوس الرحمة ولنا الخُذلان . ولشيخنا الفارس الجليل ،الكريم ، مُهاب الجانب الرحمة وجنان الخلد بإذن الله .
توفي الفارس الشيخ / محمد باشا الحسين العواملة ، رحمه الله ، بتاريخ ١٩٤١/٢/٢٩ ، حيث رثاه الشاعر / زيدان الصويص في قصيدة ، نذكر منها :-
ذوقان عزّينا عن الغبن والياس / بفقد منهو للمشايخ دليله
حيثه علينا عز زوداً عن الناس / مرحوم يا راعي المزايا الجليلة
العلم عمّ وصار بالناس وسواس / طبّ الرعب بقلوبنا من رحيله
وين الذي ضوّه على السلط نبراس / صيته شهر بكل حي وقبيله
عساه بالجنه إلُه مركزٍ خاص / يرتاح بأحضان الإله وخليله
الحكم حكم الله على الخلق لا باس / نسترحم المولى وصبره وجميله
فكرت انا بالشيخ ما شفتله قياس / كود انت ياللي باللوازم نجيله
واحمد حقوقي ابطلعته نرفع الراس / بسعد الباري شفات الغليله
انتم هل الكبره من أول على ساس / ما هي طياحه يا حماة الدخيله
لو جيت ابرهن وصفكم فوق قرطاس / تعجز يميني والقلم والمخيله
يا ما لفاكو الحمد من كل الجناس / تستاهلوا يا كاسبين النفيله .
ورثاه الشاعر/ حسني زيد الكيلاني ، حيث قال :-
ليس الجديدُ على الثرى بجديدِ / كلٌ يسيرُ لغايةٍ وحدودِ
إن الرجال اذا قضوا ومضتْ بهم / أعمالهم للمجد والتخليدِ
ومشى يقصُ الدهرُ من أخبارهم / ما تغرِيُ الآباء في المولودِ
واستشهد الآتي بمجدٍ زاهرٍ / من كل قرمٍ فارسٍ صنديدِ
فهناك نعرِفُ للزعيمِ مضاءهُ / في كل حقلٍ مثمرٍ مورودِ
ونرى بعينِ الحقِ ما لا يجتلي / ببراعةٍ من كاتبٍ رعديدِ
أمُحمدٌ لاقيتَ ربك بالذي / أعدتهُ من طارفٍ وتليدِ
فأبشر بعفو الله لا تجزع ولا / تحزن ولا تحفل بكل جديدِ .
كما رثاه الشاعر / صبحي القطب ، حيث قال :—
أي نجمٍ زاهي السنا نوارِ / فجعَ الأرض نعيهُ والدارِ
فتهاوت مُدمِعاتُ المآقي / مُرسلات أنفاسها من جِمارِ
قد هوى الكوكبُ المضيءُ وأمسى / ليلُّها موحشٌ بغيرِ منارِ . ( إنتهى ) .