الشيخ كايد مفلح العبيدات .. شهيد أرض البطولات
ناطق نيوز بقلم: عوض ضيف الله الملاحمه
(( الجزء الأول ٢/١ ))
كثيرون الذين إستشهدوا على ثرى فلسطين الحبيبة من الأردنيين ، الذين لم يَترددوا ، ولم يُحجِموا ، ولم يَجبُنوا ، ولم يَتخاذلوا ، ولم يَتراجعوا ، بل كان الإقدام ديدنهم ، والشجاعة من خِصالهم . لكن أن تكون من أوائل الشهداء الأردنيين على ثرى فلسطين الحبيبة السليبة ، فهذا تميز ، وصدارة نادرة ومتفردة .
الشهيد ، المِقدام ، الشجاع ، الجسور الشيخ / كايد مفلح العبيدات ، من أوائل الشهداء الأردنيين على ثرى فلسطين الطهور ، الذي سيبقى طاهراً رغم تلويث الخنازير الصهاينة له . في معظم الأحيان تمر كلمة (( شهيد )) على بعض القراء مروراً عابراً دون ان يتفكروا في عظمتها ، وفي أحسن الأحوال يجترها البعض دون الغوص بمعاني الفعل الذي نتيجته يوصف الإنسان بالشهيد . كلمة شهيد تعني تقديم روحك ، وعمرك ، وحياتك ، وتعني تركك الدنيا وما فيها ، وتركك الأهل والأحبة . والشهيد : هو إسمٌ من أسماء الله الحُسنى . والشهيد حبيبُ الله . وسُمي الشهيد شهيداً لانه مشهود له بالجنة ، وهو حيٌّ عند ربه شاهدٌ حاضر ، وهو مِمّن تشهد موتته الملائكة .
ولد الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات ، في قرية كفر سوم عام ١٨٦٨ ، وإستشهد على ثرى فلسطين عام ١٩٢٠ . يعتبر والده مؤسس عشيرة العبيدات . تلقى تعليمه في الكتاتيب في شمال الأردن . ظهرت عليه علامات النبوغ والزعامة منذ سنوات عمره الأولى ، حيث حفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة . وكان يحظى برعاية خاصة من والده وإخوته الكبار . وما ان وصل العشرين من عمره حتى أصبح ذا شأن في شمال الأردن . وأصبح كبيراً لقومه في شبابه . ومع الوقت أصبح من الزعامات البارزة في عصره في شمال الأردن وفلسطين والجولان . كما كان من أبرز رجالات الحركة الوطنية العربية التي ظهرت في بلاد الشام نهاية الدولة العثمانية . كان مولعاً في التاريخ وبالشخصيات التاريخية التي توسع في قراءة تاريخها وسيرتها . كما كان يحض الناس على محو أُميتهم ، وتعليم أبنائهم في الكتاتيب التي كانت منتشرة في ذلك الوقت في شمال الأردن . ورغم انه يتوسط إخوته في العمر ، الا انه ورث زعامة عشيرة العبيدات عن والده ، بل أصبح زعيماً لمناطق الكفارات في شمال الأردن ، كما كان عضواً في مجلس القضاء بولاية دمشق .
كان الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات ، عروبي التوجه ، ومتدين ، وعُرف عنه انه كان على علاقة وثيقة برجال الحركة الوطنية التي ظهرت ضد الدولة العثمانية بعد تولي حزب الاتحاد والترقي الحكم . وكان لديه وعيّ ودراية كبيرة في مخطط اليهود لإحتلال فلسطين وإقامة وطن قومي لهم . وكان لديه إطلاع سياسي واسع وعميق لذلك كان مناوئاً لسياسات حزب الإتحاد والترقي الذي وصل لحكم الدولة العثمانية في عام ١٩٠٨ . وكان على علاقة وثيقة بالجمعيات العربية التي ظهرت في ذلك الوقت . ولم يعرف عن الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات أية علاقة مع الثورة العربية الكبرى ، كونها ركزت على جنوب الأردن ، لكن بعض المراجع تحدثت عن تواصل بينه وبين الملك فيصل ، الذي وصل بجيشه الى دمشق عام ١٩٢٠ . كما برز دوره بشكل كبير في إجتماع الشخصيات الأردنية والعربية الذي عُقد في عجلون عام ١٩١٧ رفضاً لوعد بلفور بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين . كما رفض إتفاقية سايكس بيكو ، وتم إختياره من بين المجتمعين لمراسلة شيوخ العشائر والشخصيات العربية لحشد الجهود لرفض المخططات الصهيونية في فلسطين .
بدأت المقاومة العربية للوجود الصهيوني في فلسطين عام ١٩٢٠ . حيث قاد الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات أول هجومٍ إنطلاقاً من الأردن ، في منطقة تل الثعالب ، ليستشهد مع عدد من المجاهدين أمام عدم تكافؤ المعركة ، بين مهاجمين بالسلاح والبارود ، وبين عصابات صهيونية مدعومة من القوات البريطانية ، واجهتهم بالرشاشات والسلاح المتوسط .
كان الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات رمزاً وطنياً ، من رجالات الرعيل الأول ، جيل المؤسسين الرجال الشجعان . ويُعد واحداً من الجيل المبكر الذي كان له شرف الوعي بالقضايا الوطنية والقومية . هذا الجيل الذي تربى على حب الوطن من خلال علاقات نضالية مبنية على الفهم الإستراتيجي للقضايا القومية .
كان الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات يقرأ كثيراً عن الفتوحات العربية ، وتقمص شخصيات كثيرة كانت في ذاكرته مثل : خالد بن الوليد ، وصلاح الدين الأيوبي . هذه الشخصيات عززت الوعي الفكري والنضالي في شخصيته ، فهو يمثل جيلاً أفرز قيادات تعاهدت ان تكون ثقافة المجتمع على مستوى المنطقة ثقافة وطنية ، كما أدت بعض العوامل الى صقل هذه الشخصيات لتقوم ببث الوعي القومي في نفوسهم . وقد وعوا ثورة عام ١٩٠٥ التي حدثت في منطقة الشوبك ووادي موسى ، والثورة التي إنطلقت في شمال الجزيرة العربية عام ١٩٠٨ . حيث تأثر الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات بهذه الثورة خصيصاً لأنها ثورة تخص جذور قبيلته ، وهي ثورة (( آل علي )) التي يعود نسب قبيلة العبيدات لها ، وهم الذين قاموا بثورة شمال الجزيرة العربية وجنوب الأردن ، ونتيجة هذه الثورة نزح كثير من فروع هذه القبيلة الى حوران والجولان .
في عام ١٩١٠ ، كان هناك تآمر كبير ضد ثورة الكرك ، وكانت هذه الثورة بداية إنتشار الوعي الوطني والقومي والشعور بالظلم والقهر من الإحتلال العثماني ، وخاصة ان هذه الثورة جاءت على خلفية إنقلاب على السلطان عبدالحميد ، الذي كان له علاقة جيدة مع العرب والمسلمين ، لكن عندما جاء حزب الإتحاد والترقي عام ١٩٠٨ ، وقضى على السلطان عبدالحميد . بدأ هؤلاء الشيوخ بطرح الفكر القومي ، وبدأت علاقات بين زعماء بلاد الشام من خلال الجمعيات السرية مثل (( الفتاة )) وغيرها ، وكان الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات من بين الأسماء التي رُشحت من قبل زعماء بلاد الشام ومن قبل زعماء النهضة العربية وبمقدمتهم / أحمد مريود ، ومجموعة من الشخصيات التي كان لها دور كبير في النهوض وتشكل الجمعيات السرية ، وفي عام ١٩١٤ تم البدء بعمليات التنظيم السياسي ، عندما جاء جمال باشا السفاح الى سوريا . وكان للشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات علاقات قوية مع شيوخ وقيادات المنطقة ، وكانت تربطه علاقات قوية مع الشيخ / كليب الشريدة ، والشيخ / سليمان السودي الروسان .. وغيرهم ، حيث كانوا زعماء عشائر ، وأمناء عامين أحزاب ، وكانوا يقودون الحركة الوطنية النضالية من خلال إتصالاتهم مع الجمعيات السرية التي كان مركزها في اسطنبول ، ثم إنتقلت الى بلاد الشام . شكل الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات وإخوته ومجموعة من رجالات الرعيل الأول مجلساً إستشارياً ، هدفه تحمل مسؤولية نقل المجاهدين والثوار . ولم يكن همهم محصوراً في الأردن او شماله ، او الجنوب السوري فقط ، إنما كان همّاً قومياً تجاوز الحدود الإقليمية حتى وصل الى الحجاز . (( يتبع الجزء الثاني لطفاً )) .