الشيخ كايد مفلح العبيدات .. شهيد أرض البطولات
ناطق نيوز-بقلم: عوض ضيف الله الملاحمه
(( الجزء الثاني ٢/٢ ))
بالنسبة للشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات لم يكن له موقفاً من الثورة العربية الكبرى . فقد كانت منطقة الشمال الأردني محايدة ، لان الهدف الإستراتيجي تمثل في تحرير منطقة الجنوب ، ثم التوجة الى منطقة حوران ، والدخول الى منطقة دمشق . لذلك منطقة الشمال كانت ساقطة عسكرياً ، لأنها قريبة من فلسطين ، وعليه كانت العلاقة مبنية من خلال شخصيات في الشمال لهم علاقة بالجيش الفيصلي ، او جيش الثورة العربية الكبرى الذي بدأ في عام ١٩١٧ . بدأ التواصل الجيد عام ١٩١٩ ، وتعزز عام ١٩٢٠ عندما تُوِّج الملك فيصل ملكاً على سوريا الكبرى . وكان الملك فيصل يقول للشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات : (( منطقة عجلون أمانة في عنقك )) . وقال له أيضاً : (( انه يرى ان هذه الدولة الفتية لن يُسمح لها حتى بالحبو ، لأن المؤمرة كبيرة ، والمؤمرة ستصل ليس الى منطقة بلاد الشام لوحدها ، بل ستصل الى العراق والهلال الخصيب )) . كان هناك وعياً بحجم المؤامرة وخطورتها ، وأنها ستفضي الى تقسيم بلاد الشام . كان الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات على علاقة مع اللواء / علي خلقي الشرايري ، حيث اتفقا ومعهما / أحمد مريود ، ومحمود الفاعور ، على ان يجمع الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات (( ١٢٠ )) مجاهداً ليشتركوا في ثورة الجولان عام ١٩٢٠ ، وذلك لمنع الحلف الفرنسي البريطاني من تقسيم بلاد الشام .
كان للشهيد الشيخ/ كايد مفلح العبيدات مكانة كبيرة بين أهله وأقاربه ، والتف حوله العديد من المجاهدين ، ووضعوا الإستراتيجيات والخطط اللازمة للمقاومة . وكان يفكر بأن الإنسان يجب ان يعيش على أرضه بكرامة وعزّة ، لكن يد الغدر طالته عن طريق طائرة قصفته هو ومجموعة من الثوار ، وهم يجاهدون على أرض فلسطين ، دفاعاً عنها ، بمهاجمة العصابات الصهيونية والقوات البريطانية ، في أول هجمة من ثوار أردنيين على ثرى فلسطين الطهور ، فإستشهد في منطقة تل الثعالب في فلسطين .
كان لدى الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات رؤية واضحة انه لا بد من خوض معركة لإثبات اننا لسنا أمة ساكنة ، بل أمة تستطيع ان تقاوم وتجاهد ، فجمع شيوخ عشائر العبيدات ، وخاطبهم : بأن قدرنا ان نجاهد ، وأجمعت عليه شيوخ العشائر بالكامل . وإنتقل الى عدة مناطق ، وتم الإتفاق مع / ناجي العزام ، وعقدوا مؤتمراً في قُمّْ ، وتم تكليف الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات بأن يقود المعركة ، بإعتبار ان الأغلبية من المجاهدين من منطقة بني كنانة . وفعلاً تحركوا من كفر سوم ، ووصلوا الى منطقة أم الثعالب في فلسطين . وتمكنوا من السيطرة على بعض المناطق ، وكانت الخطة ان يستسلم الجنود البريطانيين المحاصرين ، ويتم الإستيلاء على أسلحتهم وإستخدامها لمهاجمة المستوطنات البريطانية . لكن المفاجآت كانت تختلف عن التوقعات ، حيث كانت الوثائق البريطانية تقول بان الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات قد أسقط طائرة بريطانية وجرح الطيار ، ولهذا حسم الجيش البريطاني المعركة بقصف الثوار بطائرة بريطانية أدت لإستشهاده ومعه عدداً من الثوار ، نتيجة عدم التكافؤ بين الثوار والعصابات الصهيونية المدعومة من الجيش البريطاني . وودعت نساء كفرسوم الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات ، (( بالمعيد)) :-
ما حضرتن يوم سمخ يا بنات / لو حضرتن كان جيتن فازعات .
طيارة بوسط السما يا حيفي / ضربت ع كايد على لمع السيفِ .
طيارة وسط السما طيارة / ضربت ع كايد يوم قاد الغارة .
بكلمات (( المعيد )) المذكورة أعلاه ودعت نساء كفرسوم شيخهن الشهيد . شيخهن الذي كان أحد أركان قضاء عجلون (( محافظتي إربد وعجلون اليوم )) . الذي كان يبلغ من العمر لحظة إستشهاده (( ٥٢ )) عاماً . كان الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات قد قاد مجموعة مسلحة تجمعت صباحاً في المخيبة قُرب الحمّه الأردنية ، وعبرت نهر اليرموك ، بعد ان قسّمها القائد الى خمس مجموعات ، في شكل مثلث ، لكل مجموعة مهمة ، قاصدة معسكر الإنجليز ، ومحطة القطار ، ومستوطنات الصهاينة في منطقة سمخ ، على الشاطيء الجنوبي لبحيرة طبريا ، لتلتقي هناك بقوات من فلسطين ، على رأسها / عبدالله الفاهوم ، ومحمود شتيوي ، فينغلق بذلك فكّي الكماشة على العدو . وكان التنسيق مع أحد الضباط العرب الملازم أول / محمد الهندي ، في المعسكر الإنجليزي ، لِيُسلّم المعسكر دون إطلاق نار . وأن تأخذ مجموعة الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات الأسلحة والعتاد لتستكمل خطتها الهجومية . لكن إشتباكاً مسلحاً وقع في المعسكر على غير المتوقع ، وإشتبكت المجموعة مع جنود وفرسان هنود ، وجاءتهم تعزيزات سريعة بالطائرات وقوات إضافية من طبريا . أمام هذه المفاجأة ، والتعزيزات ، والطائرات ، وعدم التكافؤ في القوة ، قرر الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات الإنسحاب ، لكنه إفتقد المجموعة التي كان يقودها إبنه / تركي ، وفيها أحد أهم فرسان القوة الفارس / عبدالرحمن العبويني ، الملقب (( بالأقرع )) ، فخشي الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات ان تستفرد التعزيزات بهذه المجموعة ، فعاد لنجدتها ، وفي تلك العودة ، رصدته طائرة إنجليزية ، ورشقته بنيرانها الرشاشة ، فإستشهد . وبلغ عدد الشهداء من قبيلة العبيدات في هذه المعركة (( ٤ )) أربعة شهداء هم : ١ )) الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات ، ٢ )) والشهيد / فندي المفلح العبيدات ، ٣ )) والشهيد / فندي القفطان العبيدات ، ٤ )) والشهيد / سلطان الجبر المفلح العبيدات ، الذي تم إخلائه من أرض المعركة الى سحم الكفارات ، وهو مصاب بجروحٍ بليغة ، إستشهد على أثرها ، وإستعادت مجموعة من درعا جثامين الشهداء ، وشيعوا في كفر سوم في اليوم التالي . وحضر الجنازات قادة ، وشيوخ ، ووفود مثلوا جميع نواحي عجلون ، وحوران ، والجولان . وللتصحيح فإن الشهيد الشيخ / كايد مفلح العبيدات لم يكن أول شهيد على تراب فلسطين الطهور ، بل سبقه الى الشهادة — لكن بنفس المعركة - سبقه للشهادة شقيقة / فندي مفلح ، وقريبه / فندي القفطان ، ثم إستشهد شيخنا / كايد مفلح العبيدات وتلاه إبن أخيه / سلطان الجبر المفلح ، المذكورة أسمائهم أعلاه ، عليهم رحمة الله جميعاً .
القراء الكرام ، ألم تلاحظوا معي حجم التضحيات ، التي قدمها الأردنيون الأوائل ، على المستويين الوطني والقومي . أليسوا رجالاً ، كِباراً شجعاناً !؟ نماذج مثالية في الشجاعة ، والإقدام ، والرجولة ، والعطاء للوطن وللعروبة . ونبخل عليهم بذكر تاريخهم المجيد !؟ لتدركوا حجم إستهدافهم ، وطمس بطولاتهم ، لتقتنع الأجيال بأننا بدون تاريخ . وليقنعوا المتخاذلين منّا بأننا لسنا أكثر من بدوٍ رُحّل ، نتنازع على الحمى ، والكلأ والماء . وما يزيدني قهراً إستسلامنا ، وإقرارنا بما فبركوا علينا زوراً وبهتاناً .