فازت تركيا وخسرت النقابات الأردنية
ناطق نيوز-كتب معاذ البطوش
تناقض عجيب وغريب بين متابعة أعضاء الهيئات العامة للنقابات المهنية الأردنية لمجريات العملية الانتخابية التي شهدتها الجمهورية الإسلامية التركيا، وبين ذهابهم لاختيار مجالس النقابات كل 3سنوات.
في تركيا 21سنة من العمل والانجاز لم تشفع للرئيس، أردوغان ولا لحزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه، بل حاسبه انصاره، وجيل بأكمله ينتخب لأول مرة ويقدر بنحو 5مليون ناخب على الحالة الاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال الثلاث أعوام الماضية، ما جعله عاجزا عن حسم المعركة الانتخابية من الجولة الأولى، وحصد في الجولة الثانية فقط 53بالمئة من أصوات الناخبين، والسر هو ذهاب الناخبين لصناديق الاقتراع تحت شعار تركيا العظمى ومصلحة شعبها.
في الأردن تابعنا كأعضاء هيئات عامة للنقابات المهنية الانتخابات التركيا، وذهبنا لتقييم التجربة والاشادة بدور الشعب التركي في صناعة مشهد سيسجله التاريخ لاردوغان واوغلو وللشعب التركي، دون أن نلتقت نحن النخبة النقابية لخيباتنا المتتالية كل 3سنوات ونحن نذهب لاختيار مجالسنا النقابية.
نحن نذهب تحت عناوين فرعية كثيرة مبنية على المناطقية والعشائرية والاقليمية والطائفية، والجندرية، ولم يذهب معظمنا من أجل مصلحته ومصلحة نقابته، لذلك نجد الخيارات منذ زمن بعيد سلبية، لا تحقق المصلحة العامة للهيئات العامة.
نحن نذهب لانتخابات نُدلي خلالها باصواتنا لمجرد عواطف كاذبة وانحياز لمصالح اشخاص او مناطقية او عشائرية، أو طائفية أو تحزبات دينية، أو لأسباب مرتبطة بالنفاق الإجتماعي، فنحن ينطبق علينا ما يقال" بعنا دنيانا وآخرتنا في دنيا الآخرين " فكانت النتائج سلبية للغاية، ومدمرة حتى باتت الصناديق المالية لتلك النقابات خاوية على عروشها وتقترب من الانهيار والافلاس، والمهن دخلت غرفة الانعاش وباتت في موت سرير، والاعضاء يتزاحمون على سجلات العاطلين عن العمل.
ذهب الزمن الجميل الذي كانت فيه الهيئات العامة تنتخب النخب الحقيقية التي تحقق مصالحها، فكان صالح العرموطي وحسين مجلي عنوانان لانتخابات نقابة المحامين، وكان راكان المجالي يستقبله قادة الدول كالرئيس العراقي الراحل الشهيد صدام حسين، لأنه ممثل للصحفيين الاردنيين، وليث الشبيلات يتنقل من عاصمة لعاصمة كما لو أنه رئيس دولة عظمى، ومحمد حتاملة يوقع الاتفاقيات وتتفاوض معه القطاعات الصحية المختلفة الرسمية والخاصة، لايقاف تهديداته المرتبطة بمصلحة مهنة التمريض وابناء المهنة، وغيرهم الكثير ممن كان له بروز في العمل النقابي.
اليوم مجالس نقاباتنا تشهد تشرذما، وصراعات ومشاجرات وتشكيك وتعطيل لمصالح الزملاء النقابيين، ولكن ليس العيب في المجالس النقابية بل العيب في الهيئات العامة التي تغلق صناديق الاقتراع وتنتظر إعلان النتائج النهائية لتصدح الحناجر بكلمة واحدة" خاوة...خاوة...خاوة"وهي كلمة لم نسمعها عند اعلان فوز اردوغان لفترة رئاسية جديدة، لأن الناخب لم يأتي بالطيب رجب لمجرد جماله او دينه، إنما جاء به لسدة الحكم لشعوره بانه قادر على خدمته والارتقاء بالأمة التركية للأمام، فمبارك لشعب تركيا اختياره، والخيبة للهيئات العامة لنقاباتنا المهنية التي باتت عاجزة عن خدمة المهنة واعضائها.
الشعوب العظيمة هي التي تصنع الأمجاد عبر صناديق الاقتراع، والشعوب المتشرذمة والسطحية هي التي تفشل في استغلال صناديق الاقتراع لفرض كلمتها، وترفض تحقيق الأمجاد والمستقبل الزاهر للأجيال المتعاقبة، فنحن نعتز بأي تجربة حزبية وديمقراطية في العالم، ولكننا نتصدى لها ونرفض عند أول اختبار نتعرض له في مجتمعنا.
التحول السياسي الذي تتجه نحوه الدولة اليوم يواجه مقاومة شعبية ورفض من النخب ورواد الصالونات السياسية، ولا يريدون لنا ان نستغل الظروف، لأننا نردد عباراتهم كالببغاء بأن كل قادم فاشل وان الأمل مفقود وأن كل العالم سينتقل للأفضل الا نحن، سنواصل الفشل والهزيمة.
على الهيئات العامة للنقابات المهنية في الأردن أن تستفيد من تجربة تركيا وأن تنتقل من هيئات بائسة مرهونة للاقليمية والمناطقية والعشائرية والطائفية إلى هيئات تبحث عن تحقيق مصالح تُعيد لتلك النقابات مكانتها الحقيقية في الدولة، وتعكس ذلك على المجتمع في اختياره للمجالس النيابية والبلدية والمحافظات، وحتى مجالس اتحادات الطلبة في الجامعات والمدارس، فالناخب المتحرر هو الاقدر على خلق حياة سياسية ديمقراطية تعالج الاختلالات وتنقل الدولة من لحظة الضعف إلى مواصلة العمل والبناء والتطوير والتحديث.