ناطق نيوز -بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
وددت ان أطرح موضوعاً ، ربما يكون غريباً ، وربما لن يستصيغه بعض الناس ، وربما يعتبرني البعض مُتعصباً للعشيرة . وددت ان أعقِد مقارنة عقلانية منطقية محايدة ، بين النقابة والعشيرة كمكونين مجتمعيين ، كل واحد منهما له ما له ، وعليه ما عليه ، وله مؤيدون ومعارضون وربما رافضون .
المكون العائلي او العشائري او القبلي ، هو السائد منذ بدء الخليقة ، حيث يتجمع الناس او الافراد في تكتلات او مجموعات ، تجمعهم رابطة الدم ، لحماية بعضهم والدفاع عن مكتسباتهم ومصالحهم ، وضمان عدم التغول عليهم ، ولمواجهة التهديدات الخارجية التي تستهدف مصالحهم ، او حِماهُم ، او ربما حياتهم .
بعد الثورة الصناعية ، ظهرت المصانع ، التي أُنشِأت في المدن ، مما اضطر الباحثين عن عمل وكسب الرزق للهجرة الى المدينة ، فوجد الانسان الذي هاجر من قريته الى المدينة ، وجَدَ نَفْسَهُ ، وحيداً ، بعيداً عن الأهل ، والاقارب ، والاصدقاء ، والجيران ، هجر بيته ، وبيئته المؤنسة ، الآمنة ، المعروفه ، التي اعتاد عليها وعلى ناسها وحتى أشيائها ، الى وِحدة تبدو موحشة ، فلا عون ، ولا سند ، ولا مُغيث لو تطلب الأمر . من هنا بدأت فكرة التقارب والتنسيق مع زملاء العمل ، وزملاء المهنة لتعويض ما فُقد ، وايجاد البدائل لما استجد ، وليحتمي كل واحدٍ بمن حوله ، من هنا بدأ ظهور النقابات المهنية والاتحادات العمالية ، لغاية مساندة بعضهم بعضاً ، وللدفاع عن حقوقهم العمالية المكتسبة ، عِوضاً ابو بديلاً عن التكاتف او الحماية العائلية او المناطقية .
تعتبر النقابة في بعض الامور اكثر تطورا وحداثة كعملية الانتخاب ، ولا رئاسة مدى الحياه ، ولا توريث ، وخدماتها متنوعة وعديدة ، لانها حديثة ، وتجربة مكتسبة من الغرب ، مع انني علمت ان بعض العشائر الأردنية لديها آلية الانتخاب لا بل وانتخبت نساءاً لقيادة العشيرة .
الإضطرار للهجرة الى المدينة ، ادى الى ضعف الروابط العائلية نتيجة بُعد المسافات وصعوبة التواصل ، والمواصلات ، خاصة في ذلك الزمان ، حيث كانت وسائل ووسائط النقل شحيحة ، او نادرة ، ان لم تكن غير موجودة أصلاً . فاصبح الفرد غريباً ، ضعيفاً في بيئته الجديدة ، ومطلوب منه ان يواجه مخاطره منفرداً دون وجود عون ، او سند ، او مؤاز ، فظهرت التجمعات المهنية كتنظيم بديل عن العائلة ، او العشيرة ، وهذا أبعد الوحشة ، والضعف الذي استجد نتجة الاضطرار للتواجد في المدينة ، فبدات المكونات المهنية والتي سُميت لاحقاً بالنقابات والاتحادات العُمالية ، حيث اصبحت تكتلاً رابطهم فيه المهنة ، التي حلت بدل روابط الدم عند العائلة او العشيرة او القبيلة . وللتوضيح : العائلة تتكون من مجموعة افراد ، والعشيرة تتكون من مجموعة عائلات ، والقبيلة تتكون من مجموعة عشائر ، وهذا يتسق ويتشابه مع التجمعات النقابية حيث انها تكتل لمجموعات من المهن ، ( ارجو مراعاة انني اضطررت لتفصيل القبيلة ليس افتراضاً لعدم معرفة القاريء لا سمح الله ، ولكن لمقارنتها مع بنيوية النقابات ) ، فمثلاً نقابة المهندسين ونقابة الاطباء تتكون من عدة فروع ، فرع لكل تخصص ، وهذه الفروع تكوِّن النقابة ، والنقابة ترتبط بالنقابات الاخرى لتشكل مجموعة النقابات ، التي تتحد ليزداد ثقلها وتأثيرها المجتمعي ، مما يرتقي بفاعلية دورها السياسي والخدمي .
هناك اوجه اختلاف وتشابه بين النقابة والعشيرة . الاختلاف بينهما يكمن في حضاريتهما ، فالنقابات مكون حضاري إستجد نتيجة تطور المجتمعات ، بينما العشيرة مكون قديم تقليدي ، غير ديناميكي .
وهناك تشابه بينهما في المشاعر او العصبية حيث اصبح الانسان يتعصب لمهنته مثلما يتعصب لقبيلته ، فحلّت روابط المهنة ، محل روابط الدم ، مع ملاحظة ان التعصب للمهنة أقل تشدداً وتعنصراً . كما ان الحماية التي تقدمها العشيرة اقوى وأدوم ولا تنفصم ولا تنفك عُراها وربما تبلغ اقصى مداها ، بينما النقابة لو تخلف أحد الاعضاء عن دفع اقساط الانتساب اليها فانه يُصبح خارج اهتماماتها ومسؤولياتها ، لأن الاهتمام مرتبط بديمومة العضوية في النقابة .
نعم ، هناك اوجه تشابه واختلاف بين التعصب للقبيلة والمهنة ، وكل منهما له ما له ، وعليه ما عليه ، في النقابة هناك تساوٍ في المستوى التعليمي ، لكن هناك اختلاف في المستوى الثقافي بين اعضاء النقابة ، بينما في العشيرة هناك اختلاف كبير بين افراد القبيلة في المستويين التعليمي والثقافي . كما ان افراد المهنة في النقابة يدافعون عن حقوقهم ومكتسباتهم ، وافراد القبيلة يدافعون عن افرادها وعن حِماها ، الذي إستُبدِل بمفهوم الوطن والمواطنة . كما ان بينهما قاسم مشترك يتمثل في دفاع كل من النقابة والقبيلة عن حقوق ومكتسبات افرادها ، وعليه فان مُحركهما واحد وهو مُناصرة ، او الإنتصار لمنتسبيها . فلماذا نَذُم التعصب للقبيلة ونمتدح او نفاخر بالتعصب للمهنة !؟ ونعتبر من يفتخر بالقبيلة مُتخلفا ، ومن يتعصب للمهنة مُتحضراً ؟! كما ان هناك افراداً او عائلات صغيرة لا ينتمون لقبيلة ، فان هناك افراداً مهنيين او عمالاً ليس لهم نقابة .
على الساحة الاردنية يعاني المكونين المجتمعيين النقابة والعشيرة ، من التفتيت والتهميش والإستهداف . وعلى ما يبدو ان هناك تخطيطاً مبرمجاً وممنهجا لتدمير وتشويه العشائر الاردنية لخدمة الصهيونية بالتشكيك في قيمها النبيلة وتدميرها ، لتدمير بنيتها التحتية المستندة الى قيمها العربية الاصيلة النبيلة ودورها المجتمعي المحوري كضابط ورادع اجتماعي واخلاقي . ويتبدى لي ان المخطط الإستهدافي للعشيرة قد نجح الى حدٍ كبير ، حيث تعاني العشائر الاردنية من التفتت ، والتشتت ، والتشوية وغياب الكِبار اصحاب الرأي الراجح ، حيث إستُبدلوا برعاعٍ ، تَصَدُّرَهم يسيء للعشيرة بدل ان يُضيف اليها عِزة وشموخاً وإباءاً وكرماً ورجاحة عقل وكاريزما الشيوخ ، فاصبح كل افراد العشيرة شيوخ ، مثلما يقول المثل ( كلهم روس بصل ما فيهم ولا قِناره )) . وها قد اتى الدور على النقابات لتفيتها وتهميشها وشيطنتها وإضعافها تمهيداً لإلغائها وحظرها ، كما حصل للعشيرة منذ عقودٍ من الزمن .
استناداً الى التقييم الخاطيء تم اعتبار النقابات مكوناً حضارياً ، بينما العشائر تعتبر مكوناً اجتماعياً متخلفاً ، مع ان ما يجمعهما اكثر مما يختلفان فيه ، والمثل يقول ( كل فرنجي برينجي ) ، اي كل جديد مصدره الغرب راقٍ ومتميز ، وكل أصيل متجذر ، لا يُحبذ ، ولا يُحترم ، يُعاب ولا يُهاب . على كُلٍ ، أرى انهما مكونين إجتماعيين ، ضرورة وجودهما يُثبت ان الإنسان مدني بطبعه ، لا يمكنه العيش مُنعزلاً ، بعيداً عن بني جِنسه مهما واجه ، وصادف ، وعانى ، وتحمل ، فبني البشر يحتاجون الى ان يشدوا أزر بعضهم بعضاً . وأختم ببيتٍ من الشِعر ، يقول :-
إنّ الضَغائِنَ اذا ثَارَتْ بمملكةٍ / أودتْ بها وتداعى رُكنُ بُنيانِ .