هل المَناصِبْ .. مَتاعِبْ .. أم مَكاسِبْ !؟
بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
نشر إبن العم المهندس / احمد ساطع الطراونه ، منشوراً على صفحته ، جاء فيه نصّاً : (( أما أنا فقد توصلت الى ( كونكلوجن ) يقصد الكلمة الانجليزية conclusion ومعناها خُلاصة او استنتاج ، مفاده ان '' المناصب متاعب '' )) . مما أحدث وميضاً في كياني ، وبمجرد ان قرأته وجدت ان عناصر مقال متكاملة جاهزة وحاضرة في ذهني ، فإستأذنته فوراً بإقتباسه ، فوافق مشكوراً .
رأيي المتواضع ان المناصب في تنوعها تُشبه البشر في تنوعهم ، أليس هم من يُشْغِلونها ، ويُشَغِّلونها ، ويعملون وفق شروطها ومتطلباتها واحتياجاتها ، ويستخدمون صلاحياتها ، وينتفعون بمكتسباتها ، ويزهون بكراسيها ، ويتباهون بمسمياتها ، ويتمسكون بها ، ويتنازلون عن كراماتهم في مقابل الوصول اليها والبقاء بها أطول مدة ممكنة . والبشر اليس منهم الوضيع ، والرخيص ، والإنتهازي ، والمُتملق ، والمتأنق ، والسارق ، واللص ، والحرامي ، والفاسد ، والمُفسد ، والكاذب ، والمُدعي ، والمُفبرك ، والسكير ، والفاجر ، والعربيد ، والقمرجي ، والصفيق .. الخ . وكذلك منهم الراقي ، وعزيز النفس ، والكريم ، والأديب ، والنظيف ، والنزيه ، والشريف ، والعفيف ، والمُنصِف ، والصادق ، والنقي ، وصاحب القيم ، وصاحب الدين ، والخلوق ، والمستقيم ... الخ
وعليه فعند الشرفاء تكون المناصب متاعب ، مغارم ، لها مثالب ، تجلب التعب والمصايب ، المناصب هلاك للشريف النظيف العفيف ، المناصب متاعب لصاحب الضمير ، المناصب تجلب المصايب ، المناصب مفاسد .. الخ . اما المناصب عند الفاسدين ، لا تعتبر مغارم بل مغانم ، المناصب مناهب ، عند غير الشرفاء وغير المخلصين المناصب ليست مصاعب ، ولا متاعب ، المناصب سلبٌ ، نهب ، ولصوصية ، وفسق ، وفجور ، وكذب .. الخ
الشرفاء يعتبرون المناصب تكليف وليس تشريف ، لذلك تجد أُناساً يَكبر المنصب بهم ، يُجهدون انفسهم لتعظيم العطاء والانجاز ، ويُحِقون الحق ، ويُنصِفون المظلوم ، ويَقتصون من الظالم . المناصب عند الشرفاء تسلبهم اوقاتهم واعمارهم ، وتبعدهم عن عائلاتهم ، وفلذات أكبادهم ، واحبائهم .. الخ . بينما المناصب عند الفاسدين ، تشريف وليس تكليف ، لذلك تجد أُناساً يكبرون بالمنصب ، لا يُشغلهم الانجاز والعطاء ، ولا يفكرون في التميز ، ولا يبذلون جهوداً للتطوير والارتقاء ، العدالة عندهم غائبة ، والانتماء مُغيب ، والعطاء تخلف ، ما يشغلهم ليس مهامهم بل الاستمرار في مناصبهم ، لينهبوا قدر استطاعتهم .
في بلدي الحبيب المُبتلى النظيف لا يُرقى ، بل يُقصى ، والفاسد يُكافىء ويُعطى ، الشريف عقبة كأداء لانه مُعرقِل لفساد الفاسدين . ولأن الفساد تمأسس ، ولا يمكن ، لا بل من المستحيل الحد منه ، ولانه ساد وانتشر ، واصبح فهلوة وشطارة ، بينما الشريف ثقيل الظل عنيد ، ولأن الوطن كله يبدو انه استسلم واعترف واقر بعدم القدرة على الحد منه ، فكيف يمكن إستئصاله !؟ وذلك يعود لعدم وجود الرغبة لدى الدولة الاردنية ، وامام هذا الاستسلام ، أقول ما قاله الفنان التونسي الجاد / لطفي بشناق :(( خذوا المناصب .. خذوا المكاسب .. بس خلولي الوطن )) ، ولأن مُصيبتنا في وطني أكثر مما تخيل الفنان / لطفي بشناق ، نحن تجاوزنا مرحلة الفساد حتى وصل مرحلة التهديد الوجودي للوطن .