طَعنَةُ الظَهرْ .. وسُلطَةُ القَهرْ
ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
القضية الفلسطينية ، قضيتنا المركزية الأولى ، لم تَعُدْ كذلك ، حُيِّدَتْ ، وأُقْصِيتْ ، وإنحرف مسار الإهتمام بها ، وطَغت أولويات أخرى عليها ، وهَمَّشتها ، ولم تَعُد هَمّنا الأول ، ولا إهتمامنا الوحيد على المستوى العربي الرسمي بكافته ، مع بعض الفروقات ، التي لا تُحدِث فَرقاً ، ولا نَصراً للقضية . أمّا على المستوى الشعبي والجماهيري العربي فالوضع مختلف تماماً ، حيث ما زال هناك اهتماماً وانتماءاً للقضية ، لكن مع كل الأسف ليس أكثر من غُثاء سيل ، لا يؤثر ، ولا يُقدم ، ولا يؤخر ، لانه صوت مسلوب الإرداة ، مَقموع ، مُهمَّش ، لا يقوَ على تقديم شيء يفيد القضية فائدة فعلية . أعرف أن كلامي هذا سَيُغْضِبُ الكثيرين ، لان الحقيقة مُؤلِمة ، ومُوجِعة ، وصَادِمة ، ومُحبِطة .
وقد يقول قائل لماذا حَصَلَ هذا !؟ وما الذي أدى إليه !؟ أقول : حقيقة صَادمة ، ومُربكة ، ومُؤلمة جداً : ان ما سُمي بالنضال الفلسطيني ، والمُنظمات الفلسطينية ، منذ نشأتها الاولى عام ١٩٦٤ بقيادة / احمد الشقيري ، هي كِذبة كُبرى ، وخديعة عُظمى ، وانها ليست اكثر من وسيلة ، وآلية لضياع القضية وإنهائها ، وخُطط لان يتم ذلك بأيادٍ فلسطينية ، ومن وصلوا لمستوى القيادات في المنظمات الفلسطينية السابقين واللاحقين ، يعلمون ذلك ، والشُرفاء من القياديين عندما تأكدوا من ذلك واحتجوا ، وتمردوا ، ورفضوا ، وحاولوا ان يكشفوا الحقائق ويشهِّروا ، تمت تصفيتهم جسدياً بأيادٍ فلسطينية .
وحتى لا يكون كلامي مُرسلاً ، وإنشائياً ، او تهجمياً ، كما قد يعتقد البعض ، سوف أقدِّم لذوي العقول النيّرة ، التي تنتهج العقلانية ، بعض المحطات المفصلية والهامة جداً والتي عَمِلت على الإطاحة بالقضية الفلسطينية على مراحل ، ووفق محطات مَرسومة ومُمنهجة : تم تأسيس منظمة التحرير عام ١٩٦٤ ، اي قبل هزيمة عام ١٩٦٧ ، فلماذا أُسسِت !؟ أليس لتحرير فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ !؟ ويفترض ان يضاف الى اهدافها تحرير ما تم احتلاله عام ١٩٦٧ ، لكن بدأت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة المرحوم / ياسر عرفات ، مفاوضات سريّة للقبول باستعادة ما سُلب في هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، وتمهيداً لذلك عملت منظمة التحرير الفلسطينية مع كل الدول العربية باستثناء الاردن والعراق ، في مؤتمر الرباط الذي عُقد عام ١٩٧٤ على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد ، لاحظوا معي : الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين ، حيث طالبت الاردن بتأجيل القرار لما بعد استعادة الضفة . وتبين لاحقاً ان الهدف من ذلك حتى تُطْلَق يدها في التفاوض للتنازل ونسيان فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨ ، وللتخلص من العباءة الأردنية . ومع ذلك فانني كأردني مازالت مُقتنعاً بضرورة تَحمُّل الأردن مسؤولية ضياع الضفة الغربية ، وأحصر مسؤولية إستعادتها بالأردن .
في عام ١٩٧٨ ، وفي أبوظبي ، حضرت محاضرة للمرحوم / ماجد ابو شرار ، الذي كان المسؤول الإعلامي الأول في منظمة التحرير الفلسطينية ، وخلال المحاضرة لمّحَ الى فتح قنوات تَقَارُبْ وتَفَاوضْ مع يساريين إسرائيليين ، عندها تصديت له بقوة رافضاً هذا التلميح — وأحاط بي حرس السفارة الفلسطينية في ابوظبي مُهدِداً ، داخل قصر الخُبيرة ، لولا تَنبُه صديقي المرحوم الاستاذ الدكتور الطبيب / محمد الجمل — أُحرج الرجل ، وطلب ان يلتقيني بعد المحاضرة ، وعندما التقيته ، أكد لي بانه مُجبر على التلميح لتهيئة الرأي العام وقياس ردود الفعل ، وانه غير مقتنع بهذا التوجه لكنها أوامر عليا وليس امامه الا الإستجابة . وبعدها بفترة زمنية لا اتذكرها ، تم إغتياله في احدى الدول الاوروبية . مثال آخر : من الذي إغتال مهندس الإنتفاضة الاولى الشهيد/ خليل الوزير ( ابو جهاد ) !؟ ومن الذي إغتال الشهيد / صلاح خلف ( ابو إياد ) !؟ الذي نَعت من يود التخلي عن سلاح المقاومة ب ( الحِمار ) . كما اود ان أُذَكِّر بالقيادي الفلسطيني الذي عُزِل ، والذي نَشر عدة مقالات في احدى الصحف القطرية قبل حوالي ثلاثة عقود من الزمن ، ومحور مقالاته ينحصر باسماء القادة الفلسطينيين الذي تمت تصفيتهم باوامر مباشرة من ياسر عرفات ، حيث كان يذكر اسم القيادي ، واسباب اختلافه مع ياسر عرفات ، كما يذكر خطة تصفيته جسدياً .
وهنا لابد من الحديث عن مُقايضة الإنتصار الذي حققته الانتفاضة الباسلة الاولى باتفاق أوسلو ، الذي نتج عنه السلطة الفلسطينية غير الوطنية . حيث أجمع القادة الفلسطينيون على انهم تعبوا ، وملّوا النضال بفنادق الخمسة نجوم (( هكذا يَنعتُهم الأحرار المناضلين الحقيقيين في الداخل الفلسطيني )) ، وانه جاء الوقت الذي لابد ويرتاحون فيه ، ويَجْنُون حصيلة نِضالهم . وأسفر هذا الكيان المسخ ( السُلطة ) عن التوفير على الاحتلال من ان يدفع كُلفة احتلاله ، وكَسِب الصهاينة الوقت لنشر المستوطنات حتى وصل عدد المستوطنين الى ( ٧٥٠,٠٠٠ ) مستوطن في الضفة الغربية لوحدها ، كما عملت السلطة على تجفيف منابع المناضلين في الداخل بالتدجين او الاغتيال او مساعدة شرطة الاحتلال على القاء القبض على الاحرار لإعتقالهم ، مما رفع عدد السجناء الفلسطينيين الى ما يقارب ال ( ٤٨,٠٠٠ ) حسبما تُسعفني ذاكرتي . ولن أنسى الشبل الفلسطيني المتفرد جرأة ، ورجولة ، وإيماناً بالقضية ، الشهيد البطل / عمر ابو ليلى ، الذي انقض على الجندي الاسرائيلي كالنمر وقتله مع انه مُدجج بكل انواع الأسلحة الفتاكة والحديثة ، حيث انتشر فيديو لعجوز فلسطينية من جيرانه قالت بالحرف :-(( هين قتلوه يابنيي ، وإجى معهم شرطة فلسطينية اثنين دلو اليهود عليه وقتلوه ، حسبي الله على الشرطة الفلسطينية )) . وذلك التزاماً من السلطة بتطبيق التنسيق الأمني مع الاحتلال ، والذي كان يجاهر به رئيس السلطة ، كما يجاهر بتفتيش طلبة المدارس وسحب السكاكين والخناجر منهم ، وبانه لن يسمح بانتفاضة جديدة . ولا بُدَّ من الإشارة الى إنشغال كبار مسؤولي السلطة في التجارة ، حيث توزعوا الوكالات التجارية بينهم ، وللتدليل فقط : هل تعلموا ان أحد كبار مسؤولي السُلطة هو الذي وَرَّدَ مواد البناء للجدار العازل !؟
تخاذُل منظمة التحرير الفلسطينية ، وهَمالة ، وعَمالة وتنازل السلطة الفلسطينية عن كل شيء طوعاً ، ادى الى تهميش القضية عربياً واسلامياً ودولياً . وهل من المنطق ان يُطلب من الدول العربية ان تكون ملكية أكثر من الملك !!؟؟ وأختم مُكرراً : فلسطين ستتحرر بإذن الله ، إما على أيادي المناضلين الشرفاء في الداخل فقط ، لو تخلصوا من كابوس السُلطة الذي يعمل على تدجينهم ، او ركوناً الى الوعد الإلهي ، وحاشا ان يُخلف الله وعده . وعليه اعتقد جازماً ان الطعنة النجلاء للقضية الفلسطينية سددتها القيادات الفلسطينية التي تفردت بالقضية بتوجيه من النظام الرسمي العربي عام ١٩٧٤ ، عن سبق اصرار وترصد للاطاحة بالقضية بأيادٍ فلسطينية . كما أرى ان كل الدول العربية مجتمعة لم تَضُرْ القضية الفلسطينية مثلما أضرتها منظمة التحرير والسُلطة .