الشبه بين .. الوَزَارَه.. و(الوَزْرَه)
ناطق نيوز-بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
إستجَدّْت لدينا عادات غربية علينا ، وليست من طباع الاردنيين ، مثل التملق ، والمحاباة ، والمجاملة الزائدة عن الحد ، لدرجة انها تُذهب هيبة المُجامل . هذه العادات البغيظة ، كان يمقتها غالبية الاردنيين ، ويصفون من يتصف بها باقذع الالفاظ والاوصاف . لأنه عُرِف عن الاردني الصدق ، والجرأة في قول الحق ، والقدرة على المواجهة وحتى المجابهة اذا اقتضى الأمر .
كُنّا بخير عميم في قيمنا ، ونتصف بقيم رفيعة جليلة ، تُضفي هيبة ووقاراً واحتراماً على عامة الاردنيين —-حتى قبل نشوء الدولة الاردنية ، لانها صِفاتٌ جينية فينا —- لدرجة انك تكاد ان تعرف الاردني بمجرد ان تلحظه وتقع عينك عليه في اي بلد خارج الوطن . حيث كانت الرزانة ، والحصافة ، والجدِّية ، والنِدِّية ، والكرم ، والعطاء ، والسخاء ، والوفاء من أهم صفات غالبية الاردنيين . وكان المُجامل ، والمتملق ، والمتحذلق مذموماً ، مُهاناً ، ولا يُحترم .
حتى ألأمثال التي كانت سائدة ، تعكس الكثير من طباعنا وسلوكياتنا الحميدة . فمثلاً على الصراحة في قول الحق ، والبعد عن التملق والمجاملة هناك عدة أمثال منها (( قول للأعور ، أعور بعينه )) ، و (( قول الحق ولو على قطع راسك )) ، (( قول الحق ولو كان عليك )) ، أي ان تقول الصدق البواح دون مجاملة ، وان تقول الحق للمتجاوز مواجهة دون خِشية او ريبة او خوف مهما كلف الأمر .
لكننا تغيرنا كثيراً وابتعدنا أكثر عن هذه الخِصال الحميدة . وانتشرت صفات وسلوكيات مقيته ، غير محترمة . حيث إجتاحنا الكذب ، وعدم الوفاء ، والخداع ، والمواربة ، والمجاملة ، والانتهازية ، والتملق . فمثلاً ، تجد مظهر بعض الرجال مهيب يدعو للاحترام ، لكن مخبره عكس مظهره ، فيتحول احترامك له الى إحتقار . وهذه الصفات الرديئة تظهر بشكلٍ واضح عند تعامل الكثير من الاردنيين مع كبار مسؤولي الدولة الرسميين ، مثل : رؤساء الوزارات ، والوزراء ، وكبار المسؤولين عامة . ماالذي يحصل !؟ يَهِبُّ غالبية الجلوس وكانهم كانوا جالسين على ( زمبركات ) شديدة الضغط، حيث يَنْثُرُ نفسه نثراً للترحيب بالمسؤول الكبير ، والاسوأ عندما يتصف هذا المسؤول بالكِبر والتعالي ، ويكون الترحيب اكبر عندما يكون فساد المسؤول واضحاً ، ومقدار ما (( هبش )) من المال كبيراً ، يتعاظم الترحيب ، ويُذِلُ المُرَحِبُ نفسه ، ويطأطأ رأسه اكثر ، وكرامته تكون قد اختفت وذهبت الى غير رجعة ، فيُقسِمون الايمان الغليظة ، ويحلِفون بالطلاق بالثلاثة مرات عديدة ، ليُجلسوا المسؤول الفاسد في صدور المجالس - التي كانت مُخصصة وتليقُ بأمثال وصفي التل / وحابس المجالي / وفلاح المدادحه / ومحمد القرعان / والشيخ سليمان السودي الروسان / والشيخ دليوان المجالي / والشيخ حسين الطراونه / والشيخ راشد الخزاعي / والشيخ عبدالحليم النمر / والشيخ سعود القاضي / و الشيخ محمد عوده ابو تايه / والشيخ محمد المور الهقيش الصخري / والشيخ نمر العدوان / والشيخ ابراهيم الضمور والد الذبيحين .... وغيرهم الكثير من شيوخ ووجهاء وكبار القادة والمسؤولين .
أصبح الكثير من الاردنيين يُمجِّدون الفاسدين ، ويصدرونهم المجالس ، والجاهات ، والعطوات ، ويقيمون لهم الولائم الباذخة ، تَقَرُّباً ، وتمجيداً لهم لفسادهم ، وانحطاط قيمهم ، وسرقتهم اموال الاردنيين ، ومقدرات الوطن . والمؤسف والمؤلم ، الذي اكد انحدار قيمنا اننا اصبحنا نُهَمِّش الشرفاء، الانقياء ، الاتقياء ، النبلاء الذين يتصفون بالعفة والشرف . وهنا اتشرف ان اقتبس من رسالة ارسلها لي زميل الدراسة وصديق العمر نقي المسيرة نظيف اليد الاستاذ / علي المدادحه ( ابو طارق ) تقول : (( حافظوا على الشرفاء ، ولو كانوا خصومكم ، ولا تفرحوا بالسفهاء ولو وقفوا معكم ، فالشريف لن تجده في مواقف الكرامة الا شهماً ، يأبى ان يُدنِّس مقامه بفعل قبيح او قولٍ مُشين ، والسفيه لا تفرح به ، ولا تركُن عليه ، فهو اليوم معك وغداً عليك )) .
ما أسوأ ما انحدرنا اليه . أدعو كل اردني لم ينحرف ، ولم يتنازل عن قيمنا النبيلة ، وكرامتنا وتميزنا بالجرأة ، والرجولة ، والصدق ان نمجد شرفائنا ، سواء كانوا من كبار المسؤولين او لم يكونوا ، وان نُجلِسهم بالمجالس بما يليق بهم ويتساوى مع قيمهم وليس وظائفهم ، وان يكون تقييمنا مرتكزاً على قيم الشخص ، لا على سطوته وهو في موقع المسؤولية ، ولا على ملآءة جيبه مما سرق من اموالنا .
إنحدرنا لدرجة اننا لا نلتفت للأُدباء ، والشعراء ، والمثقفين ، والشرفاء ، واصحاب الفِكر ، واصبحنا لا نلتفت لمن لم يتقلد موقعاً متقدماً في الوظيفة العامة مهما إرتفع شأنه ، وإرتقت خُلقه ، وتميز بنبله ، ووضعه الإجتماعي . حتى اننا لم نلتفت باننا بافعالنا هذه اعتبرنا الوزارة ، كما (( الوَزْرَه او الوِزَارْ او الإزَار ْ)) التي تستر عيوب الجسد ، فالوزارة تستر ، وتجب ، وتحجب ، وتغفر وتُنسي الناس افعال ذلك الوزير المشينة التي توجب عدم احترامه ونبذه . وسبق لي ان نشرت مقالاً بتاريخ ٢.١٩/١٢/١ بعنوان (( تشميس الفاسدين )) ، حيث طلبت فيه من الاردنيين القيام بدورهم الوطني بفضح وتشميس الفاسدين ، بأن تتبرأ العشيرة من الفاسد من ابنائها ، وان ( تُعزِّره ) ، وتقاطعه ، وتنبذه . والتشميس بالمفهوم العشائري تعني : (( اهدار حقوقه وعدم التعامل معه من جميع العشيرة مادياً واجتماعياً ، اي مقاطعته ، واذا قُتل لا يؤخذ بثأره ، ولا يتم الدفاع عنه في اي قضية يكون هو طرفاً فيها ، ويُشترط على عائلته ان تُعلن ذلك في دواوين قبائل المنطقة )) . لتتأملوا معي هذه الايجابية الكبيرة الرادعة في القوانين العشائرية.
ارى اننا لو عُدنا الى قِيمنا لِمَا قَبّْلَ بِضعةِ عقود ، سيحارب الشعب الفساد والفاسدين ، ويقتص منهم وينبذهم ، ويعاقبهم اجتماعياً ، لان انتظارنا للدولة لتكافح الفساد لن يتم بالتاكيد ، لماذا !؟ لانه من الجهل ان نعتقد ان يحاسب الفاسدون بعضهم بعضا ، فهم حلقات مترابطة ، متكافلة ، يشدون أزر بعضهم بعضا ، لانه اذا عوقب احدهم فهذا يعني ان من تجرأ وعاقب ستدور الدائرة عليه .
أتألم جِداً لإنحدار قيمنا الذي أدى لإنحدار الوطن ، لانه لو لم تنحدر قيم الافراد لصحَّ الوطن وتعافى . وأختم ببيت من الشِعر إقتبسته من صفحة ابن العم الاستاذ / عبدالكريم الطراونه ، يقول :-
يا سَادِراً في غِيِّهِ ألا إتئِدْ / العمرُ أقصَرُ من ان تعودَ وتستعِدْ .
وأُضيف بيتاً من الشِعر البدوي :-
لا تصاحب الأنذال بالذل تبليك / رافق رجال العز اهل نخوة وحمية .
وبيتين من الشِعر الفصيح :-
يُغطي عيوب المرء كُثرةُ مَالِهِ / يُصَدَّقُ فيما قال وهو كذوبُ .
وكسبُ المال للمخلوقِ حقٌ / ولكن لا تبع شرفاً بمالِ .