ناطق نيوز- بقلم : مصطفى صقر
عندما أورد لنا القرآن الكريم قصة خذلان بني إسرائيل لنبي الله موسى ورفضهم دخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لعباده المؤمنين بحجة الخوف والجبن ، *أشار إلى معضلة نفسية غريبة ، وهي : أن يتعالى الجبن والخوف الشديد ويتحول إلى وقاحة شديدة في حق موسى وربه* فقالوا (إذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا ها هنا قاعدون) .
*هذه الجبن المغمس بالوقاحة في حق الله* مع كل ما جاء به موسى من بينات *أسقط القوم من عين نبيهم* ، وكأني أراه يضرب كفيه حسرة على قوم قتلهم الخوف من الناس قبل ان يقتلهم الناس ، بعدما رأوا نصر الله لهم على طاغية زمانهم فرعون ، فدعا ربه (إني لا أملك إلا نفسي وأخي ، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) ، *طلب ينبأ عن ألم يعتصر قلب النبي المرسل ، وشعور بخذلان عظيم من قومه وعدم اعتراف بقوة الله وعونه ، وانفاس حرا ملأها الألم* .
فما كان من الله العزيز الحكيم إلا أن يجيب دعوة نبيه الهمام ، *فحكم حكما وعاقبهم عقوبة وواسى عبده* :
1- حكم بأن *هذه الأرض المقدسة (محرمة عليهم)* ، فهي أطهر وأقدس من أن يدخلها الفاسقون فاتحين .
2- وعاقبهم ب (أربعين سنة يتيهون في الأرض) ، *ولعلها من أعجب العقوبات الربانية* ، فالتيه في الأرض جغرافيا وفي هذه المدة الطويلة ينعكس بظلال مؤلمة على النفس جراء شنيع فعلتهم ووقاحتهم ، وهي كفيلة أن يشعروا بشعور الخذلان الذي قطّع قلب نبي الله موسى وأخيه ، فنبي الله قد تحمل معهم حملا ثقيلا لم يخفف منه إلا ارتباطه بالعظيم وكلامه المباشر معه ، وبهذه المدة الطويلة يبدّل الله جيلا الجبن والوقاحة والخذلان ، بجيل تربى على الحق المنشود ، يسمع حكاية النبي الذي كابد التعب والنصب مع قوم خذلوه ، ويتشرب معاني العزة والكبرياء من قسوة الصحراء ، ويغير عالم أفكاره الصدأ وتصديق فعل الاقدمين إلى أفكار النبوة الحية حتى لو قضى موسى نحبه .
3- *وواسى نبيه المرهق فقال (فلا تأس على القوم الفاسقين)* ، فقد خسروا دنياهم واخراهم ، وفاتتهم العزة بأيديهم ، فالعبرة بالجيل العائد من لجّة التيه.
وهذا ما جرى ، *فانتفض الجيل الجديد بقيادة نبي الله يوشع بن نون ودخلوها اطهارا شجعانا فاتحين* ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري .
لذا ... وجب علينا الإعتبار من هذا المشهد القرآني ، *بأن خذلان الحق يدخل في نفق التيه ، تيه في الأفكار والأشياء والأشخاص والعلاقات ، وبمدة لا يعلمها إلا الله ، ولا يخرج منها التائه إلا بتوبة "تغيير الحال وتحقيق مناط الاعتبار" ، والانطلاق نحو الحق المبين بكل إصرار وعزيمة* ، متذكرا ... (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) .
وصدق الله حيث قال (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)
*#رحلة_مع_القرآن*
*#مصطفى_صقر*