بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
هناك شعوب تضمر الكُره ، والحقد ، لشعوب أخرى ، لا لشيء ، ولا لأذية طالت الكارهين ، من المكروهين ، لكن ربما ان هذا الكُره موجود ، ومتجذر ، لسنين ، لا بل لعشرات القرون ، فتجذر حتى أصبح جينياً ، حتى ان الأجيال الممتدة ، إلى ان تصل إلى الجيل الحالي ، يجد نفسه يكره ذلك الشعب أو تلك القومية ، ولا يعرف لماذا ، حتى عندما يتساءل بينه وبين نفسه ، أو عندما يجهر بهذا الكره مع من هم من بني جلدته ، فلا يجد مبرراً ، ولا يتذكر انه حصل معه ما يدعو لهذا الكره ، لكنه يجد نفسه يمارسه ، دون وعي ، ودون تفكير .
هذا ما يحصل للعرب من الجارين ، الحاقدين ، الأتراك العثمانيين ، والفرس المجوس ، والغريب العجيب ، ان العرب ، لا يضمرون لهم الا الخير ، لا بل ويتمنون لهم كل الخير ، ويدعون ويتضرعون لرب العباد ان لا يمسهم شر عندما يشملونهم في دعائهم في المساجد . هذا السلوك الإيجابي من العرب كافة تجاههم ، رغم ما اصاب العرب منهم من ضرر ، لا بل أضرارا ، ومصائب ، ودمار .
إستجابة لما إستجد من احداث ، لا بد ان نحدد ، ونحصر حديثنا عن الأتراك العثمانيين ، بمناسبة إجتياحهم لشمال شرق سوريا لاحتلالها ، والذين أصاب العرب منهم كوارث لا تعد ، ولا تحصى ، ولا تُحصر ، امتدت لخمسة قرون متصلة تقريباً ، احتلوا بلاد العرب ، وأهانوهم ، وساهموا في تخلفهم ، وعذبوهم ، وقتلوهم ، واستخدموهم كجنود في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، ليدافعوا عن إمبراطوريتهم المريضة ، ونهبوا خيراتهم ، وثرواتهم ، وشوهوا حياتهم ، وأحالوها إلى جحيم ، وغير ذلك احتلوا ، واقتطعوا ، وسرقوا ، أراضيهم ، كما حصل بضمهم وقضمهم لواء الاسكندرون . ومع كل هذا وما ان انزاح الاستعمار التركي عن صدور العرب ، الا وأصبحت تركيا قبلتهم ، ووجهتهم ، للتجارة ، والاستثمار ، والسياحة ، والاستجمام ، والأهم والأخطر ان العرب كانوا يحملون للأتراك العثمانيين كل المحبة والاحترام على المستوى الرسمي والشعبي ، وساهموا ، وما زالوا يساهمون في رفد ، وتنشيط الاقتصاد التركي .
رغم كل ما سبق ، ها هي تركيا ، الجارة ، المسلمة ، التي يكن لها العرب كل الخير ، ها هي تُظهر ، وتكشف عن استمرار نواياها الاستعمارية ، وأطماعها العثمانية ، وتشن حرباً على سوريا الحبيبة ، التي لم يسجل التاريخ القديم ، ولا الحديث ، انها اقدمت على أي فعل فيه ضرر على تركيا الجارة المسلمة ، ديدنهم في هذا ديدن كل العرب ، الذين بعامتهم ، دولاً ، وشعوباً ، لم يقدِموا على أية إساءة فيها نيل من استقلال ، أو استقرار أو وحدة تركيا . ها هي جحافل جيشهم الجرار ، تاسع أقوى جيش في العالم ، تتقدم ، وتحتل ، وتسيطر ، بعد ان تدمر ، مناطق من شمال شرق سوريا .
لله دركم يا عرب ، تضمرون الخير ، للغير ، وهذا الغير متربص ، متحفز ، مستعد للإنقضاض عليكم عندما تسنح فرصة ، أية فرصة ، في أي وقت .
ورغم كل ما سبق ، ومن كل الويلات التي اصابتنا منهم ، نتمنى لهم كل الخير ، آملين ، وداعين ، ومتوسلين ان يتركوننا وشأننا ، أقول هذا وأنا حزين ، لاننا في هوان متشرذمين ، من هوان الى هوان منحدرين ، لا نقوى على فعل شيء .
المطلوب من الدول العربية كافة اتخاذ إجراءات رادعة مؤذية ضد تركيا ، لان لديهم أدوات كثيرة لو استخدموها ، لآذوها ، وبالتنسيق مع دول صديقة أخرى لربما ردعوها ، وما اتوقعه ان ينتهي اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي دعت اليه جامعة الدول العربية الى الشجب والاستنكار والدعوات التي لا تخلو من الاستجداء لتركيا بانهاء هجومها ، وانسحابها من الأراضي السورية . بإمكان العرب الضغط والتأثير على تركيا باستخدام وسائل كثيرة منها : الضغط والتضييق الاقتصادي عليها ، بوقف التبادل التجاري ، ووقف استيراد المنتجات التركية ، والطلب من المستثمرين العرب والمقيمين فيها والسائحين بمغادرة تركيا فوراً ، وهذا سيؤدي الى تأثير سلبي كبير على الاقتصاد التركي المرتبك حاليا ، كما بإمكان الدول العربية الضغط عليها بدعم التوجه الدولي في مطالبتها بالاعتذار والتعويض للامة الأرمنية التي أبادها الأتراك .
من يوقف اعتدائها !؟ من يوقفها عند حدودها !؟ من يضمن لنا سلامة حدودنا !؟ من يردعها !؟ من يُلزمها بحفظ الجيرة !؟ من يوقف أطماعهم !؟ لا أحد طبعا ، خاصة ونحن العرب على ما نحن عليه من تشتت وضعف وهوان .